في حلقة بعنوان "لحظة والدو" من مسلسل المرآة السوداء توقفت كثيرا عند فكرتها وهي صراع المؤدي الصوتي لشخصية كرتونية تسمى والدو حيث الشخصية الكرتونية تأخذ شهرة واهتمام الناس أكثر منه هو مبتكر هذه الشخصية وحتى أن الناس يعرفونه ويتحدثون معه حينما يعرفون أنه مبتكر الشخصية الخيالية. وهذا ما حدث وأعتقد ما زال مع المؤلف العبقري أرثر كونان دويل فربما لو سألت نفسك عن أعماله سيأتي في مخيلتك فقط شخصية شارلوك هولمز المحقق الفذ الذي ابتكره هذا المؤلف وعلى الرغم من إنتاجه الأدبي الضخم في جوانب أخرى مثل سلسلة خيال علمي لشخصية عبقرية أخرى بدأها بعنوان العالم المفقود فلا أحد يتذكر له في العموم إلا شارلوك هولمز؛ لدرجة جعلته يقتل الشخصية ويتوقف عن كتابة قصص لها أكثر من مرة ولكنه بسبب ضغوط الجمهور ودور النشر كان يعود ثانية لكتابة مجموعة قصص للشخصية الخيالية التي أصبحت أهم منه ومن باقي أعماله وكأن شارلوك هولمز أصبح هو المسيطر حتى بعد وفاة أرثر كونان دويل قامت إحدى الجرائد بنعيه عن طريق شارلوك هولمز "موت الرجل الذي ابتكر شخصية شارلوك هولمز" وهذا يجعلني أفكر كثيرا في من الأكثر أهمية بالنسبة لي هل هو المؤلف أم الشخصية الخيالية وإجابتي هي المؤلف لأنه لو برع في جعلي أحب شخصية هو ابتكرها فبنسبة كبيرة سيكون له أعمال أخرى أحب الاطلاع عليها. فماذا عنكم من الأكثر أهمية بالنسبة لكم الشخصية الخيالية أم صانعها؟
The waldo moment : من الأكثر أهمية.. الشخصية الخيالية أم صانعها؟
اختيار موفق جدًا لطرح الموضوع، هذه الحلقة أظهرت تأثير إعجاب الناس بكل جوانبه إلى الحد الذي قد يجعلك راغبًا في إفساد تلك الشخصية التي يفضلوها كما حدث مع الكاتب "أرثر كونان دويل". لي رأي مختلف قليلًا، الكُتاب وخصوصًا قبل عصر السوشيال ميديا أو الظهور الإعلاني، كان التعامل معهم عبر كتاباتهم وشخصياتها، بمعنى أن محبي شيرلوك هولمز تأثروا به كثيرًا عن الكاتب، فهم أغلبهم لا يهتم بالكاتب ولا يعرف عنه شيئًا وربما حتى لا يهتم بأسمه أو فقط يرتبط معه الأسم بموعد نزول الرواية الجديدة، مما يجعلني أتساءل هل السبب الأساسي يكمن في عدم تعرف الناس على شخصية الكاتب الأصلية وعدم مشاهدتهم لحوارات شخصية معه، على عكس ما يحدث في العصر الحالي مع مختلف الكُتاب؟
أعتقد أننا نرتبط بما نستطيع التواصل معه بشكل شخصي، فالروايات الجيدة تخلق تواصل حقيقي مع الجمهور بشخصياتها، وفي نفس الوقت كاتبها يحتاج لخلق نفس التواصل الحقيقي مع جمهوره حتى تكون الرابطة الأصلية معه ومع أسلوب كتاباته وليس فقط شخصية من شخصياته، ولكن لأكون حيادية أيضًا، أحيانًا لو لاقت الشخصية المكتوبة إعجاب شديد من مختلف فئات الجمهور، يحدث هذا النوع من الارتباط بها لدرجة مؤرقة للكاتب، وأعتقد أن ذلك يعتبر نوع من التعلق الذي يرافق الكتابات العميقة ويجب أن يضعه أي كاتب محترف في حسابه ويعرف جيدًا كيف سيتعامل معه.
حتى في عصر السوشيال ميديا كان هنالك اهتمام كبير أيضا ببعض الشخصيات الخيالية نسبيا مثل رفعت اسماعيل ورجل المستحيل ولكن مع الوقت تقلصت هذا الارتباط بالشخصيات وبرأي الأن أصبح الاهتمام بالكاتب حد تقديسه عند بعض القراء فتجدهم ينتظرون جديد الكاتب مهما كان جيدا أو سيئا، ولكن الارتباط بالشخصيات نفسه ينبع من أن فكرة الشخصيات هذه لها سلاسل طويلة مع القراء وللأسف مع الوقت يتجاهل الناس بشكل لا إرادي المؤلف نفسه ونموذج كونان يجعلني دائما في حالة حيرة مثل القراء الذين يتحدثون دائما عن عمل واحد لمؤلف وكأنه لم يكتب غيره أتذكر هيرمان ميلفل مثلا مؤلف موبي ديك، أنه لا يقرأ له أيضا أعمال أخرى على الرغم من أنه كاتب فيلسوف بدرجة رائعة، فما رأيك بهذا أيضا هل تبحثين عن كتب آخرى للمؤلف ام تقفي فقط عند المشهور له؟
بالتأكيد المؤلف هو العنصر الأساسي بل هو صانع البطل ومن طريقة سردة يبث فيها الحياة والروح حتى تصل الينا، ولكن الشخصية للأسف هي من تدوم وأعتقد بأنه اذا تم عمل بحث إستقصائي عن إسم كل شخصية وإسم صانعها ستجد بأن أغلبنا يعرف الشخصيات بل يحفظ عناصرها بل من النادر أن تجد شخص يعرف إسم صانعها، شخصيات كثيرة، توم وجيري مثلا، كابتن ماجد وغيرها الكثير إرتبطت بأذهاننا بإسم الشخصية، عن نفسي لو سألتني عن إسم صانعها سأرد فورا بأني لا أعرف صانعها ولكن مستمتع بمحتواها. وكما يقال قديما سنموت ويبقى الأثر، أعتقد بأن هؤلاء الكتاب ماتوا وتركوا هذا الأثر فقط
وكما يقال قديما سنموت ويبقى الأثر، أعتقد بأن هؤلاء الكتاب ماتوا وتركوا هذا الأثر فقط.
في بعض الأحيان نعم يضيع مننا أسم مؤلف العمل ولكن هذا يرجع بنسبة كبيرة لتحويل هذه الأعمال إلى عمل مرئي وجعلني هذا أعتقد بأنه ربما يكون هذا هو السبب الرئيسي فأيضا أغلبنا نحب أفلام دون أن نعرف من هو المخرج ونتذكر الشخصيات فقط في العمل، لذا برأيك هل تحويل الشخصيات من الورق إلى شخصيات مرئية يجعلنا ننسى المؤلف الأصلي؟
الإثنان لا يقلان شأنًا ولكن الصّاتع يتفوق على الشخصية الخيالية بنقطة وهي : إمكانية فهم الشخصية الخيالية حصرًا من خلال الخالق فهو وحده من يمتلك هذا الفهم لشخصياته، وهل هناك أفضل من أن تسأل المبتكر؟
هذا حقيقي ولكن المبتكر نفسه أحيانا يخبرنا بأن الشخصية تفوقت عليه وهذا ما قاله كونان بالنسبة لشارلوك هولمز وأيضا ما قاله أحمد خالد توفيق بالنسبة لرفعت اسماعيل، أحيانا تلك الشخصية الخيالية تخرج عن طاعة مؤلفها وتصبح هي الأكثر أهمية وهذا يجعلني أفكر في أجاثا كريستي مثلا التي ألفت شخصية المحقق هي هيركيول بوارو فأغلب القراء يتذكرون أجاثا نفسها وأنها كاتبة الغموض والأثارة ربما لأنها لم تعطي المحقق الأهمية وحده بل عملت على كتابة قصص أخرى في نفس الوقت بنفس القدر من المتعة والإثارة.
لا أعتقد أنهم في حالة تنافس، فالشخصية الخيالية شيء، والمؤلف شيء آخر.
وفي الكثير من الأحيان تكون الأعمال الفنية أشهر من أصحابها، بل نجد أن أصحاب العمل لا يعرفهم إلا النقاد.
ويمكننا التحدث عن المخرجين على سبيل المثال، فهم من يهتمون بكل تفاصيل الفيلم، وأحيانًأ يكتبونه أيضًا، ولكن نجد في النهاية أن الناس تعرف العمل، وتعرف الممثلين، لكن قليلين فقط من يعرفون المخرج.
والسؤال هنا، هل يحتاج هؤلاء الفنانين إلى هذه الشهرة فعلًا ؟ أم أن المهم لديهم أن العمل قد خرج للنور.
هناك أمر مشابه أيضًا بمناسبة المسلسلات، وأسميها لعنة الدور الواحد وقد كتبت عنها مقالًا طويلًا منذ 6 سنوات، وهنا أقصد الأدوار التي يحبها الناس بشكلٍ كبير، حتى ينسحق الممثلة وحقيقته فيها، لدينا ممثلين مسلسل فريندز على سبيل المثال، هذا العمل فقط، قد دمر نجاحه الكبير، حياتهم بالكامل.
ذكرتني بشيء في مصر لو سألت الناس الكبيرة عن اسامة أنور عكاشة ستجد نسبة لا بأس بها تعرفه وهو سيناريست شهير كتب العديد من المسلسلات الدرامية الرائعة وهنا ارتبط به الجمهور وعرفوه، ولعنة الدور الواحد تصيب العديد من الممثلين خاصة في المسلسلات الطويلة ونادرا ما يخرج الممثل من تلك اللعنة ولنا أمثلة عديدة ليس فقط أبطال فريندز أيضا بطل بريكنج باد ومستر هاو وسوبرانو على الرغم من ثقل الممثلين في هذه المسلسلات ولكن نادرا ما تجد لهم نجاحات خارجها للأسف.
التعليقات