"الفقر هو أبو الثورة وأبو الجريمة" هذه ليست عِبارتي، هذه عبارة سقراط وهي أتت أيضاً قبل أن تبدأ المجتمعات الإنسانية بالتطوّر والتمايز بين الطبقات كما هي الأن اليوم وقبل أن يكون هُناك حاجات أصلاً يجب شرائها عدا الطعام والشراب، حتى نكون مُتفقين بما أريد الوصول إليه علينا أن نتذكّر ما هي الجريمة أصلاً فلسفياً ومُجتمعياً، فأيّ فعل بالعالم قد يؤخذ لهُ وجهتا نظر وتقييمين منفصلين، ستقول لي ولكن الجريمة أمر مُختلف! القتل أو أذيّة الناس ببيع مواد سامة مثل المُخدّرات مثلاً هي دائماً أمور إجرامية!

لذلك أقول لك، الحروب التي تحتفل بها المُجتمعات بدعوى الاستقلال هي أمور تقوم على القتل، والمعامل التي تبيع الأدوية السميّة للعلاج، هي بيع للمواد السامة، إذاً ما هي الجريمة؟ بحسب الفلاسفة وعلماء الاجتماع هي كالتالي: الجريمة هي كل فعل يقوم به الفرد مخالفاً الشعور الجمعي أو القيم المجتمعية أو هي كل فعل يتعارض مع المبادىء والأفكار السّائدة في المجتمع.

من هذا المنظور، هل يمكننا أن نُلقي نظرة على الفقراء؟ هل الفقر أمر مُخالف لرغبة المُجتمع وقيمه ويُعارض كل فكرة لكل مُجتمع قائم بذاته؟ ستُجيبني بالطبع! لهذا يجب أن نفكّر: ماذا لو قام هذا الشخص المُتعرّض لهذا الفقر والمُضطّر فعلاً إلى مال ليُنجيه من مأزق مُستعجَل قد يودي بحياته (مثلاً بحالة والتر وايت في مسلسل breaking bad يُريد دفع تكاليف علاج سرطانه وتأمين أولاده) ماذا لو قام هذا الشخص بكسر العقد الاجتماعي وارتكب فعل غير قانوني ومُخالف لما اتفق عليه الناس، هل يجعله هذا مُتعادلاً مع المجتمع؟ 

هل يُمكننا أن نعتبره دليلاً على فشل ذلك المُجتمع بإدارة نفسه ونُبرر لهذا الشخص ونعفو عنه باعتباره خطأ مجموعي وليس خطأ فردي نابع من شر محض، إنما من حاجة حقيقية مُستعجَلة مُتجاهلة من قبل المُجتمع؟ أو الأفضل أن نلقي عليه كُل اللائمة وأن نستميت في إدانته؟ كيف ترى الأمور من ناحية المُحتاجين فعلاً الذي يتم تجاهلهم من قبل المجتمع قبل ارتكابهم للجناية ويُدانوا بعدها بأشدّ العقوبات؟ هل تجد لهم وُسعاً في عقلك لمُبررات أخلاقية أو نفسية لهم للحصول على عقوبات مخففة؟ أم تعارض ذلك بشدّة؟