إنتاج عام 2019

صار لدينا قوام درامي، هذا تعبير شامل لما رأيته من المسلسل السوري الدرامي مسافة أمان.

الدراما الناجحة هي التي تُغير المشاهد، تؤثر عليه، وفيه بالأكثر، لا تُنفره حدة الدراما كما اعتدنا على السوابق، بل تجذبه وتُثير في نفسه الكثير من الأسئلة.

هذا المسلسل درس كبير

لا صوت مدافع، لا طائرات، صوت رصاصة واحدة تنطلق منها الأحداث، مسلسل مسافة أمان لا يروي حرب قائمة، بل يروي حكاية أشخاص عاشوا مرحلة ما بعد الحرب، تلك المرحلة التي تُصنف البشر إلى بني آدم أو حيوان بشري! ما بعد الحرب مرحلة تًعطيك عينين لتتمعن في الخراب أكثر، لتصرخ امامه ولا تُعيد الحضارات نفسها بصراخك، لتبحث أم عن ابنها المتوفي!

حرب على شاشة التلفاز

أحداث الحرب لا تكفي شاشة تلفاز لتعرضه، ولا حتى محاولة نقله، ومهما وُظف الفن فتبقى صرخة الأم أعلى وأقسى وتجرح حناجرنا، ويبقى البحر أمامنا قاتلاً، والحدود لعنة، واللجوء جهنم كبرى.

لكني بكيت وأنا أشاهد هذا المسلسل، وصرخت وعذرت المذنبين وتشكلت لدي فوبيا الحرب نهاية!

نص يروي حيرتنا

أما عن النص فهو جرح كبير، عن كل الذين عانوا، كإعصار يجرف كل من يسمع شرحه.

ترابط الأحداث يجعلك ترتعد، تعرف سيئة هذا وحسنة هذا، فلا تريد أن يتلاقيا فينتصر قابيل!

الأحداث متصاعدة، لكنك كمشاهد تريد أن توقف، تمنع حدث ما لن يعجبك أو سيخدش روحك إذا وقع، مثل سراب وحسام والخيانة التي تشق طريقها!

عن شعور الحب لأول مرة حين يُصيب طفلاً كبر على يد الحرب! إنك تتعاطف مع الجميع، تبكي معهم!

وهذا الوطن وطننا جميعاً الذي سلب منا ومازال يُسلب، وهذا الوحش كلنا نعرفه، فقد كان إنساناً مثلنا، لكنها الحرب تجعل الأشياء على غير عادتها

الحرب لا تغير أفكار المجتمع

يوضح لنا المسلسل ظاهرة الخوف من المجتمع ومع الحرب ما عاد المجتمع كما كان سابقاً، فسراب تظل تذكر ابنتها بالجمع في آخر كلماتها رغم أنهم يعيشون وحدهم في شارع فارغ إلا من عمارة يعيشها الغرباء عدا الطابق الأول.. نخرج من هنا بقاعدة: إذا تربينا على الخوف من المجتمع، سنظل نخاف حتى لو لم يعد هُناك مجتمع، وهذا ما تواجهه سراب!

هل نحن بحاجة للحب وقت الحرب حقاً؟

حتى تحت زخات الرصاص، نحن نحتاج حباً، نحتاج أن يكون ملجئنا حضناً، وهذا كان واضحاً لنا مع بث عيون كاريس بشار "سراب" وقت حاجتها للحب.

المسلسل يوضح لك الحياة ومدى ترابطها ببعضها، كل شخصية به تُمسك بحبل وتظن أنها تقود، ويتضح في جهة أخرى هُناك من يمسكه، وجهات أخرى متعددة هُناك من يمسك الخيط ويغلبه الظن أنه الغالب، حتى يجيء القدر ويفجر قنبلته، ولكن بوضع مسافة أمان وأنت تمسك حبل الأقدار المنسوجة، قد تساهم في حماية نفسك ولو قليلاً، لأنك تظن أنك الشخص الذي لا تعرفه غريب وبعيد عنك، ولكن الأقدار تُبدل حبالها ويصير هذا الشخص قريباً منك وتظن أنك تعرفه ولكنه مازال غريباً، فالإنسان كومة أسرار مخفية، تشابك أقدارنا سوف يدعونا للكشف عما هو كامن داخلنا، وسيتضح لنا أننا يجب أن نترك مسافة أمان بيننا وبين الآخر.

هل تملك مسافة أمان لنفسك؟ هل تؤمن بمبدأ ترك مسافة أمان بينك وبين من تحب؟