لماذا تظهر النسوية معايير مزدوجة في هجومها على فيلم Strange Darling؟

لا يُتوقَّع من المؤسسات النسوية أن تكون حيادية أو أن تتعامل مع هذه الأمور بصورة طبيعية غير مكترثة، وهي لا تروج لنفسها على هذا الأساس. بل اعتمدت النسوية منذ ظهورها بعد الثورة الصناعية على التمرد بشكل عام، والتعامل مع القضايا المجتمعية بحساسية مفرطة. وهذا نتيجة للدوافع والأزمات التي تعرضت لها المرأة سابقاً، خاصة في أوروبا في العصور الوسطى، فخلَّفت حساسيةً مفرطةً وهجومًا غير مبرر في كثير من الأوقات. وأرى أن تلك المؤسسات -إذا أغفلنا جوانبها السياسية- هي نتاج اندفاع عاطفي أدى إلى إجراءات غير ناضجة وانحيازٍ واضح في كثير من الأحيان.

​إن هذا الاندفاع العاطفي يمثل جوهر الأزمة المعاصرة للنسوية. فبدلًا من الدعاية التاريخية لانتزاع حقوق مسلوبة، أدى استمرار هذا التمرد الجذري إلى تحولها من حركة مطلبية إلى تيار أيديولوجي صدامي. لقد ورثت النسوية الحديثة "عقدة الضحية التاريخية"، فتعاملت مع كل حدث عابر على أنه شكل من أشكال الاضطهاد المُتعمَّد. وبدلاً من السعي لتحقيق التوازن بين التزامات الأفراد وحقوقهم، سعت المؤسسات النسوية لإثبات مظلوميتها الدائمة لضمان استمرارها، وهذا ما أنتج إجراءات غير مدروسة العواقب، وغير ناضجة أيضًا.

ممكن نقول إن الهجوم على الفيلم يعكس اختلاف نظرة المجتمع للشخصيات النسائية في السينما حين يظهر الرجل كقاتل متسلسل تُعتبر القصة مثيرة أما إذا كانت المرأة في هذا الدور الجمهور يكون أكثر حساسية لأنها تخالف الصورة المعتادة للمرأة ككائن رقيق أو محافظ هذا يوضح كيف أن الانحراف عن الصورة المتوقعة للمرأة يثير الجدل أكثر من أي انحراف مشابه عند الرجل أيضًا من جهة صناعة السينما نفسها غالبا ما تختار الأفلام قصص القتلة الرجال لأنها مألوفة وأكثر قبولًا للجمهور لكن تُعتبر قصص القتلة النساء مخاطرة تجارية بسبب حساسية المجتمع تجاه النساء العنيفات الجدل لا يتعلق بالفيلم فقط بل بطريقة تعامل الصناعة مع تمثيل الجنسين والرسائل الثقافية التي تصل للمشاهد

يازياد....الفكرة أعقد بكثير من مجرد وجود قاتلة متسلسلة..... حين تكون الجريمة من فعل امرأة، السينما لا تكتفي غالبًا بعرض القتل كفعل وحشي، بل تربطه بجسدها نفسه، هل عمرك شفت فيلم قتل بطلته إمرأة بشعة أو غير مثيرة جنسيا؟ مستحيل، بالعكس تجدها لوحة فنية حتى تتمنى لو أنت مكانها حتى لو كانت مجرمة...

الفكرة هي ربط جسم المرأة بالاغواء والغدر وكأن الجسد الأنثوي هو مصدر الخطر.... يتم تصويرها كفتنة قاتلة: جمالها هو الطُعم، والإغواء هو السلاح، والقتل هو النتيجة.... هنا لا يصبح الشر تحصيل حاصل لكونها امرأة فقط، بل يتحول إلى خطاب مزدوج يختزل المرأة في جسدها ويحوّله إلى وعاء للشر.

في المقابل، القاتل الرجل نادرًا ما يُقدَّم كموضوع جنسي. لا يُشيّأ، لا يُربط جسده بالقوة المظلمة، بل يُعطى غالبًا بُعدًا فكريًا أو فلسفيًا: قدراته العقلية وذكاءه الحخارق، دوافعه، عقده النفسية، معاناته الطفولية. ...الشر عنده يُقرأ من زاوية عقل، بينما الشر عند المرأة تقرأ كشيطان في جسد.....طلعا هذه الازدواجية فيهاتحيز عميق... اذ حين نرى رجلًا قاتلًا، نناقش لماذا قتل؟ اي نبحث عن اسباب منطقية، لكن حين نرى امرأة قاتلة، نناقش كيف أغوت؟ نبحث عن الطريقة الشيطانية .

لذلك هذا الاعتراض مش مجرد غضب نسوي سطحي، بل رفض لتقليد طويل يجعل المرأة حتى في لحظة الشر السينماية محكومة بسلطة الجسد والتشييء.