سلسلة أفلام The purge: ما الذي يمنعنا من ارتكاب الجرائم، الخوف من القانون أم الإيمان به؟

أؤمن جدا بأنه من أمن العقاب أساء الأدب. لذلك حتى في ديننا الحنيف يوجد حدود وعواقب دنيوية للجرائم ولا يكفي الوعيد بالآخرة لكف الناس عن ارتكاب الجرائم في الدنيا. وهذا يعود لسلوكياتنا البشرية التي إن قامت بخطأ وفلتت منه ستعيد تكراره حتما. ولكن إن تم العقاب عليه في العادة سيرجعون عن هذا الخطأ حتى لا يلقون نفس العقوبة.

أم هناك عوامل أخرى؟

أسباب عدم إرتكاب البشر لجرائم تختلف بإختلافهم فالأسباب لا يمكن تعميمها فهناك من يحجم عن إرتكاب الجرائم خوفا من القانون وهناك من يخاف من الله حتى وإن لم يرى أي بشر فالله يرى وهناك من تمنعه إنسانيته وهناك من يمنعه إيمانه بالكارما وأن الأفعال كلها خيرها وشرها ستعود لك يوما ما

وأتساءل ماذا لو تحققت قصته على أرض الواقع، وأصبح هناك يوم واحد كل فترة معينة تُلغى فيها القوانين وتصبح أي جريمة مستباحة؟! 

فرضية هذا الفيلم بشعة لأن في جزء منها تتناول كيف أن بعض الأغنياء سيعاملون الفقراء كحيوانات يمكن إصطيادها للتسلية وتمضية وقت لطيف في هذا اليوم وهؤلاء الأغنياء لديهم الوسائل الكافية لحماية أنفسهم وتحصين نفسهم خلف أسوار عالية

الإجابة السريعة أن كلاهما صحيح فالإيمان بصحة قوانين وكونها تمثل الحق تمثل دافع للكثيرين أن يبتعدوا عن الجرائم والأفعال الشائنة وهذا أرى أنه ينطبق على معظم الناس لكن في النهاية كل مجتمع يبقى فيه بعض الفاسدين وهؤلاء بالتحديد من وجدت العقوبات في القانون لردعهم وحثهم على سلوك طريق آخر، هذا في رأي الأساس لكن يبقى هناك فئة ثالثة وهي من يكونون بعيدون تماما عن الإجرام لكن جريمتهم تكون وليدة اللحظة أي نتيجة إنفعال ما أو التعرض لظروف يصعب عليهم التعامل معها وما إلى ذلك، وقد كنت استمع منذ فترة ليست بالطويلة لأحد المتخصصين في مجال البحث الجنائي وكان يتحدث أن بعض الأشخاص على سبيل المثال يكون خرج من بيته وهو لا ينوي القيام بأي جريمة لكنه على سبيل المثال يرى فرصة للسرقة متاحة أمامه كأن يكون أحدهم نسى هاتفه أو خاتمه وما إلى ذلك وهنا يأخذ هذا القرار اللحظي بالسرقة وكان يقول أن القانون يضع هذا في الحسبان فلا يمكن أن يحاسب هذا مثلما يحاسب الشخص الذي يراقب بيت ما ويعلم بعدم وجود أصحابه في وقت ما ليدخل ويسرق أو من يسرق تحت تهديد السلاح وهكذا إلى آخره.

منذ مدة شاهدت على مواقع التواصل تجربةً اجتماعية تقوم فيها فتاه بالجلوس معصبة العينين على كرسي في قارعة الطريق واضعةً بقربها بعض الأقلام الملونة والأدوات الحادة (مقص، سكين) ولافتةً تبين تصريحها للمارة باستخدام أي أداةٍ يريدونها على ملابسها وجسدها دون إبداء أي ردة فعلٍ منها. في البداية اكتفى جميع المارين بالنظر والتمحلق دون إبداء أي فعل واستمر ذلك لدقائق وفور قيام أول شخصٍ باستخدام إحدى الأدوات، تعاقب بعده عدة أشخاص وتباينت أفعالهم بين تلطيخ الثياب وقص الشعر وجرح الجسد بالسكين إلى أن تم إيقاف التجربة الاجتماعية بعد أن تطورت الأفعال لتغدو عدائيةً وإجرامية.

المغزى هو أن بعض البشر بغياب القوانين والعقوبات الرادعة قد يفعلون أي شيء وقد يكون ذلك دون مبررٍ أيضًا سوى لإرضاء بعض الغرائز العدوانية لديهم، لكن لا ننسى أن الإنسان المؤمن يبقى لديه الرادع الديني والأخلاقي أقوى من أي قانون بشري فمخافة الله تفوق مخافة خلقه عنده.

الخوف من القانون من وجهة نظري هو المانع من أرتكاب الجرائم وليس الأيمان به، فالقانون له من التجارب الكثيرة التي لم ينصف فيها المظلومين سواء لأشخاص تحايلو عليه أو هم أقوى منه ولكن على الأقل مازال البعض يخشاه، لأنه لو تعلق الأمر بالأيمان فعلى الأغلب كل المظلومين سينتهكوا القانون لأنه خذلهم مسبقاً، ولكن يبقي الأيمان بالمعتقدات هو الدافع الأكبر من وجهة نظري لأن نتائجه غيبية

على الإنسان أن يكون على وعي و على إستعداد نفسي لكل الإحتمالات التي لا تعجبه و التي لا تسره و تجنب التعويل على طيبة و على أخلاق الآخرين ، لأن الدنيا ليست جنة ، و القوانين و الأعراف و الأديان رغم قدسيتها إلى أنها لم تستطع أن تمنع حصول جرائم في هذا العالم ، لأن افتراض أن جميع البشر يجب أن يكونوا مطيعين و وديعين هو مجرد افتراض و لا يعبر عن حقيقة النفوس و بغضها و الشر الذي تحمله ، نحن كمؤمنين و مسلمين نعلم جيدا تبعات و مصير المجرمين بغير حق في الحياة و مصيرهم بعد الموت ، فإذا أخفقت عدالة الدنيا في القصاص فإن عدالة الآخرة لا تخفق و هذا وعد حق ، و لكن هذا لا يمنع من أن يحصن المرء نفسه ضد الإعتداءات و السرقات و يكون على وعي و عدة و عدد و عتاد ، فالمجرم هو إنسان مثلنا مضطرب ، و دوافع القتلة للقتل تختلف فهناك من يقتل إنتقاما ، و هناك من يقتل حسدا من عند نفسه ، و هناك من يقتل بدافع التسلية ، و هناك من يقتل لمنع افتضاح سر شائن يخفيه .. ، لهذا يجب أن يكون الناس المسالمين متحدين و متنبهين و يقظين و سريعين أيضا في استيعاب أي محاولات قتل تجري حولهم ، و إننا مؤمنون بأن السلام سيسود و يعم الأمن و العدالة أرجاء المعمورة ..