العيش في زمان سهل من حيث العنف، أفقدنا أحياناً القدرة على التمييز بين أقول ما أرغب به وأن أفعل فعلاً ما أرغب به، لقد صرنا في السنين الأخيرة بعد أن ابتعدنا كثيراً عن زمان الاضطرابات والحروب العالميّة والمطاحن التي كانت تشتغل في ذلك الزمان أكثر مثاليةً بطرح أفكارنا، مثلاً يقول الكثيرين حالياً عبر قنوات التواصل الاجتماعي وعبر الانترنت والقنوات الاخبارية والحوارية: أفضّل الموت على أن أقبل بهذا الأمر. كثيراً ما سمعت هذه العبارات، وكثيراً ما سألت نفسي هذا السؤال وخاصّة أنني من منطقة رأيت فيها الكثير من الأمور المرعبة والصعبة إنسانياً:

هل فعلاً هذا المُتحدّث يُفضّل الموت الذي أعرفه فعلاً على أن يقبل بهذه الفكرة؟ 

وتوصّلتُ أخيراً إلى أمر أعتقد أنّهُ أصبحَ منسجماً جداً مع أفكاري الأخيرة، وهي أنّ ما يُقال عادةً هو جميل ولكنّهُ لا يناسب نهائياً لا حياتي ولا حياة المتحدّث ولا حياة الجميع أيضاً، أحياناً عليك أن تعيش ولو كانت الحياة تصفك بالجبن أو حتى أنت ذاتك تصف نفسك بالجبن على أن تموت لكي تستمرّ بتبنّي أفكارك ولكي تتوّج بلقب شجاع، الإنسان غايته دائماً البقاء والنجاة، هذه غايتنا كبشر، ولذلك أحياناً نقبل بأعمالٍ لا نريدها فقط لنؤمّن الحياة التي نريدها، نقبلُ بأفكارٍ لا نريدها فقط لنؤمّن الحياة التي نريدها. 

النجاح الحقيقي برأيي هو أن تستطيع أن تجد طريقةً لتعيش بأفكارك الخاصّة ومعتقداتك الخاصّة ولكن مع أن تحافظ على مستوى أدنى على الأقل من العيش والتعايش، لا يجب أن تتخلّى عن كل شيء من أجل شيء، هذا الأمر قد أعجز عن بلورته كما بلوره فيلم the photogragher of mauthausen الذي يحكي قصّة مصوّر أبى إلّا أن يعرّض نفسه للخطر، لخطر موت في معتقل ألماني نازي من أجل أن ينقل صور ما صار للأجيال القادمة، عند هذه العتبة فهم المصوّر أنّ الأمر لا يجب أن يكون بطولياً إلى هذا الحد وأنّهُ يجب أن يجد نقطة في نهاية المطاف يقف عندها عن المحاولة في أن يكون شجاعاً، لا لشيء ولكن لكي لا يخسر الحياة برمّتها، هذا الفهم يجب أن نعرفه لإنّهُ يعرّفنا على حدودنا البشريّة برأيي، على ما يمكن أن نخسر وعلى ما لا يجب ولا بأي حال من الأحوال أن نخسره.

وأنت؟ هل ترى أنّ الشجاعة والقضايا والأفكار أحياناً تسمو حتى فوق الحياة ذاتها؟ حياتك؟ أنا لا أتفق مع هذا نهائياً وأعتقد أنّك أنت أيضاً في جوهرك مثلي.