هل يمكن اكتساب المعرفة من التجارب الحياتية؟

لا يمكن تعلم بعض هذه الدروس من خلال مدارسنا التقليدية ولكن من خلال تجاربنا في الحياة الواقعية، من خلال هذه التجارب والتحديات هل نصبح حقاً أكثر قوة وأكثر ذكاء أم الأمر مرهون بمقدار العلم الذي نتعلمه ونقرأه في الكتب؟

ثمة مغالطة سماها بعض المختصين بالفلسفة وعلم النفس بإسم j.i.joe fallacy وهي المغالطة القائلة بأن المعرفة نصف المعركة. هي في الواقع ليست كذلك، فقد نعرف الكثير من كتب ومقالات ومحاضرات ولكن لا نطبق منه سوى القليل على أرض الواقع (وهو الأمر الذي غالبًا يحدث)

لذا أعتقد أن المعرفة من الكتب يجب أن يكون لها حد. حين أرغب بالدخول في مجال الاستثمار كمثال، فسيكون من المفيد جدًا قراءة كتابين عن هذا المجال ثم الدخول مباشرةً؛ لأن هذا سيضمن لي أنني حتى لو خسرت فلن أخسر الكثير كالشخص الذي لم يقرأ، وفي نفس الوقت سأتعلم من التجربة.

نحن كبشر نتذكر الأحداث التي يوجد بها عاطفة، أي أنني سأتعلم من موقف خسرت فيه أكثر بكثير مما سأتعلم لو قرأت كتاب ما، لأن في التجربة مررت بعاطفة جعلتني أتعلم كي لا أمر بنفس الشعور مرة أخرى، أما في الكتاب فقد أنسى الدرس سريعًا.

لذا أرى أن التجارب هي خير معلم بالفعل، خاصةً لو كان لدينا أساسيات نظرية قبلها.

أتذكر أني رأيت الفيلم منذ فترة كبيرة جدا، ومن الأفلام العبقرية في السينما الهندية، وجاء وفق نمط مختلف تماما عن ما يتم تداوله بها، فلا توجد الأغاني الطويلة ولا الاستعراضات، ربما لأن الإخراج بريطاني على ما أتذكر.

كان مقدم البرنامج في الفيلم آنيل كابور، وهو ممثل رائع، أتقن الدور جدا مع الشاب البطل، ولكن دوما ما أثار الفيلم بداخلي هذا السؤال كيف لشخص غير متعلم تقريبا أن يجيب على كافة الأسئلة دون خطأ، بالنهاية أسئلة من سيربح المليون بعيدة عن فكرة التجارب الحياتية تحتاج لتحصيل معرفي بشكل أكبر، فحتى لو بنى الشاب نفسه معرفيا من خلال الإطلاع وتبنى نفسه تعليميا هل يمكن أن يصل لهذا المستوى من المعرفة، لا أعلم ولكن شعرت ببعض من المبالغة.

من خلال هذه التجارب والتحديات هل نصبح حقاً أكثر قوة وأكثر ذكاء أم الأمر مرهون بمقدار العلم الذي نتعلمه ونقرأه في الكتب؟

لا يمكن الاكتفاء بالعلم والتعلم وإلا سنبقى في أماكننا لا نحرك ساكنا، التجربة خير دليل برهان، تخيل لو أنني اكتفيت بتعلم كل ما هو مطلوب في تخصصي، هل سأكون قوية؟ وهل سأمتلك المهارة التي تؤهلني لأن أصبح شخص متمرس في مجاله؟! صدقًا عندما تخرجت اصطدمت بواقع مختلف عما تعلمناه في الكتب الجامعية. مع أنني تخصصي لا يقارن بالتخصصات الأخرى كريادة الأعمال والمال والاستثمار التي تحتاج إلى التجارب والمعرفة. الأمر مريب حقًا عند الاكتفاء بما كل ما هو نظري واهمال التجارب سواء كانت الناجحة أو الفاشلة. المهم هنا المحاولة.

يدور في خيالي سؤال أراه مهماً: أنت أكثر مني تعليماً هل يعني هذا أنك أكثر مني معرفة؟!

علم بدون تجارب وخبرات لا يعني أنك على معرفة. وتجار بدون تعلم لا يعني أنك على معرفة.

هل نصبح حقاً أكثر قوة وأكثر ذكاء أم الأمر مرهون بمقدار العلم الذي نتعلمه ونقرأه في الكتب؟

لا شيء يعلمك أفضل من التجارب، و لا شيء يربيك أفضل منها، التلقين المدرسي أمر جميعنا مررنا به و أحرزنا أعلى الدرجات و عندما خرجنا للحياة الواقعية لم نطبق منه شيئاً يذكر، بل تعرضنا لمواقف و دروس حياتية تمنينا حينها لو أنهم علمونا إياها في المدارس و الجامعات !

الكتب أمر شبيه بذلك، فيطرح ذلك المثقف و الأديب و العالم نظرياته و أفكاره و خلاصة تجاربه في ذلك الكتاب الذي نقرأه بإصرار حتى نغنم بالفوائد المختبئة في صلبه، و نغفل عن حقيقة أن لكل منا حياته الخاصة و ظروفه و الفرص الممنوحة له، لا أقلل هنا من فائدة الكتب و المخزون العلمي و الثقافي الذي تضيفه لنا، و لكن كتب كتلك التي يكتبها خبراء تطوير الذات و المليونيرات حول قصة نجاحهم و تغلبهم على المصاعب، و التي قرأناها حتى الصفحة الأخيرة و لم يتغير الكثير في حياتنا، لأن هناك عامل نغفل عنه جميعنا و هو عامل الظروف أو القدر، لسنا سواءاً و إن طبقنا ذات الأفعال، فلا يعني ذلك الوصول إلى نفس النتيجة حتماً، و لكن تجاربنا هي من تصقل شخصياتنا و تشكل معرفتنا، تكيف المرء مع بيئته و ظروفه يجعله يبتكر و يتوصل إلى ما لم يتوصل إليه أغزر العلماء علماً و أكثرهم حيازة للشهادات .

هل تتفق مع المقولة الشهيرة "الحقيقة ستحررك" أم الغش والكذب يقومان بما يتطلب؟!

قد ينجح الكاذب والغشاش مرة واثنتين وعشرة وربما دوماً.. ولكن بربك خبرني مَن دوماً سيصدق ناجحاً كاذباً غشاشاً؟؟!

في مرحلة ما.. إدراك الواقع بشكل الصحيح قادر على خلق المواجهة فينا.

أنت أكثر مني تعليماً هل يعني هذا أنك أكثر مني معرفة؟!

كم من حامل للشهدات العليا فارغ الفكر والعقل.. ما كلّ متعلم مثقف.. وما كلّ حامل شهادة منفتح الأفق!!

مثل هؤلاء يا رياض هم أشبه بمقولة (حافظ وليس فاهم)،

إن كانت المعرفة والفهم والعقل مربوطة بالتعليم والشهادات.. لما كان أغلب الأنبياء رعاة!!!