فينياس غايج.. الحالة الأكثر تعقيدًا في تاريخ الطب

في عام 1848، كان عامل سكة حديد يبلغ من العمر 25 عامًا يدعى فينياس غايج(Phineas Gage) يفجر الصخور لتمهيد الطريق لخط سكة حديد جديد في كافنديش، كان يحفر حفرة، ويضع عبوة ناسفة، ثم يحزم في الرمال باستخدام قضيب معدني يبلغ وزنه 13 رطلا يعرف باسم حديد الدك. لكنه وأثناء عمله ذات يوم، خلق القضيب المعدني شرارة لمست الشحنة الناسفة. هذا بدوره قاد هذا الحديد إلى أعلى وخارج الحفرة، من خلال خده الأيسر، خلف محجر عينه، ومن أعلى رأسه، مدمرًا الكثير من فصه الجبهي الأيسر. الغريب في الأمر أنه لم يمت، فقد عينه اليسرى في الحال لكنه كان واعيًا تمامًا ومدرك لما يقوله، ويجيب على أسئلة الأطباء في المستشفى.

فينياس كان شخص وقور، هادئ الطباع، ولكن بعد هذا الحادث تغيرت شخصيته تمامًا، أصبح متقلب المزاج، عنيفًا، يستخدم ألفاظًا سوقية ونابية بكثرة على غير عادته، وصفه أصدقائه بأنه شخص مختلف لم يعهدوه. حتى طبيبه "جون مارتن هارلو" الذي عالجه لفترة بعد الحادثة وصف حالته بأنه فقد التوازن بين قدراته العقلية وغرائزه الحيوانية، حتى أنه لم يعد يحترم رؤساءه في العمل ولم يعد لديه القدرة على الالتزام بأي خطة، الأمر الذي جعلهم لا يقبلون به للعمل مرة أخرى.

هذه الحالة أثارت جدلًا واسعًا في منتصف القرن التاسع عشر، من جهة أن الإصابات الدماغية لها تأثير مباشر على تغيرات السلوك والشخصية، لذلك لا يمكننا توقع آثارها غلى الشخص، أو متى يمكن توقع الشفاء التام لها ورجوع الشخص لحالته الأولى. 

بحسب بعض الأطباء، يُقال أن هذه الأعراض استمرت لدى فينياس لمدة ثلاث سنوات فقط، وأنه تمكن من الحصول على وظيفة تتطلب مهارات فكرية قوية، ولكن في النهاية توفي بسبب نوبة صرع، بالتأكيد يعزو ذلك لإصابته المخية ولكن لا يمكن تأكيد شيئ هنا.

وهذا يجعلنا نطرح سؤالا وهو كيف تتكون الشخصية في الأساس، وهل يمكن لإصابات الدماغ أن تحدث تغييرًا جذريًا لا رجعة فيه؟