سيرجيو كانافيرو هو جرّاح إيطالي، اشتهر في 2015 بفكرته الجريئة: زراعة الرؤوس! فكرة كانافيرو التي لاقت رواجًا في الإعلام كانت أن ينقل رأسًا لشخص معاق ويضعه على جسم شخص سليم كان قد مات وتبرَّع بجثته.

أتذكّر أنِّي كنتُ في الصف الثالث متوسِّط شاركتُ منشورًا يخصّه وتفاعلتُ بحماس مع الفكرة، وفي اليوم الثاني كنتُ الشخص الذي يشرح للطلبة كيف ستتم العملية ومن أين سيحصلون على الجثّة، وينظر لي الجميع بأفواه فاغرة.

كنتُ أعتقد أنّها فكرة مُمكنة في ذلك الوقت، وأتضَّح أنَّ في الأمر الكثير من المغالطات.

"نسبة أن تنجح العملية هي 90% نعم هناك مجال للخطأ، لا أستطيع نكران هذا" سيرجي كانافيرو الجرّاح المشهور في لقاء.

شاعت سمعة كانافيرو في الأرجاء، وأصبح يُعطي المحاضرات على تيد، وينظر له الصحفيون في اللقاءات والمؤتمرات بعيون يبرقُ فيها التساؤل المصحوب بالحماس، ذلك الجرّاح المشهور الذي أُجبِر على نقل تجاربه للصين، بعد محاربة زملائه متغلّقي العقول والبصيرة له، أو هكذا كان يبدو.

كانافيرو كان يكرّر أنّه مُلهم بتجارب روبرت وايت، العالم الذي أستطاع نقل رؤوس بعض القرود فيما بينها، ويصف كانافيرو تلك العمليات بأنّها ناجحة (1) هذه العملية جعلت القرد يعيش لـ 8 أيّام، يرى ويسمع ويشم، لكنّه لم يستطيع تحريك جسده الجديد!

إنَّ سرعة ظهور الفكرة على السطح، فكرة كانافيرو في نقل الرؤوس، تجعل الأمر صعبًا للتصديق (لمن هم أكبر من المرحلة الثالثة المتوسّطة) فالعلم لا يقفز قفزات هائلة بهذه السرعة، بل يتقدَّم بخطوات بطيئة مستقرّة، وهذا الأمر يتجلّى أكثر في موضوع معقّد مثل زراعة الأعضاء.

سوِّق أيضًا لكانافيرو أنّه أجرى وشريكه الصيني أوّل عملية ناجحة لنقل الرؤوس، وقالا أنّها تمّت بنجاح، لم يأبه الإعلام على نقطة مهمّة: أنّها أُجريَت على جُثَّتين ميّتتين أصلًا!

إنَّ الأمر يشبه ذلك المثال المتهكم الذي يقول أنّ جراحًا أجرى عملية، وخرج وقال لهم كل شيء تمَّ بصورة صحيحة، والعملية ناجحة، غير أنّ المريض قد مات! وفي مثال كانافيرو الموضوع أسخف، المريض ميِّت أصلًا قبل إجراء العملية!

لعلَّ إجراء العملية على جثّة ميّتة سيجنِّب كانافيرو بعض الأسئلة المعقّدة، ومنها كيف يُمكن أن يُوصل الأوعية والأعصاب ببعضها؟ وإن نجى من هذا السؤال، كيف يُمكن أن يُعيد وصل الحبل الشوكي!

كيف يُمكن لرأس جديد أن يتحكَّم بجسد قديم من خلال جهاز عصبي بالغ التعقيد، لا نفهمه نحن بعد!

حينما سُئل كانافيرو عن هذا الأمر، أجاب أنّه سيستعمل صمغ البولي اثيلين الطبّي، عملية إيصال رأس بجسم، وربط جهاز عصبي هائل التعقيد لا نفهمه بالكامل بعد، كانت ستتم بخطّة تشبه خطّة طفل بالخامسة قطع رأس نحلة، ثم شعر بالذنب وحاول إصلاح ما فعل؟ (طفل متوحّش أليس كذلك؟ لنقل أنّ ذلك الطفل قد بكى كثيرًا على تلك النحلة ذلك اليوم)

للأمانة، البولي أثيلين غلايكول أو ما يُدعى بـ PEG هي مادة قد تُستعمل لإصلاح إصابات طفيفة في الحبل الشوكي، أمّا أن تُستخدم على حبل شوكي مقطوع بالكامل، فهذا ما لم يستطع فعله كانافيرو على رأس أي مخلوق على وجه الأرض.

قد يصعب على عامّة الناس التحقّق، لكنِّي ألوم الصحافة على التلميع الزائد لصورة هذا الجرّاح، خصوصًا عندما يُجري جلسة تصوير مثل التي في الصورة، سأشكّك به مرّتين!

كانافيرو قصّة لم تُوسم بالنصب والإحتيال، إنما اندرجت تحت "طموح زائد"