عندما كنت صغيرًا، كنت أسمع عن أشخاص يدخلون في غيبوبة ثم يقومون منها بعد فترة، هذا الأمر أغلبنا سمعناه، لكن بعد دخولي لمجال الطب استثار دهشتي أنها ممكن أن تكون غيبوبة طويلة المدى ممكن أن تمتد إلى شهور. كنت أتسائل كيف يمكن أن يعيش هذا الإنسان كل هذه المدة بمساعدة أجهزة صناعية؟ وهل هو حقًا على قيد الحياة أم هي مجرد أعضاء تعمل بلا هدف؟ فلنفكر جميعًا، هل يعتبر الإنسان حي لمجرد أن رئته تتنفس وقلبه ينبض؟  

حالة موجودة على أرض الواقع تسمى الموت الإكلينيكي أو الاسم العلمي لها "موت جذع المخ - Brain stem death"، أهمية جذع المخ أنه يحتوي على مراكز تحكم رئيسية، فهو يلعب دورًا حاسمًا في تنظيم بعض المهام اللاإرادية لجسمنا، كضربات القلب، والتنفس، وضغط الدم، والبلع. لا يقتصر دور جذع المخ فقط على هذه المهام، فهو تشريحيًا يربط بين المخ والحبل الشوكي لذا هو يعتبر محطة نقل المعلومات بين المخ وباقي أعضاء جسمنا. لذا إذا تأثر هذا الجزء سيؤثر على وعينا، وحركتنا، وما إلى ذلك. لنتفق أن بعد الموت الدماغي، من غير الممكن أن يظل الشخص واعيًا.

قبل أن نخوض سويًا في معترك النقاش حول مصير هذه الحالة، لنتعرف على الفرق بين الموت الإكلينيكي"Brain death-Brain stem death" والغيبوبة "Vegetative state". أولا يمكن الإفاقة من الغيبوبة، لكن الموت الإكلينيكي دائم لا يمكن علاجه. في الغيبوبة قد يوجد شكل من أشكال الوعي، أي من الممكن أن يفتح المريض عينيه لكن دون التفاعل مع من حواله. في حالة الغيبوبة يمكن للمريض أن يتنفس دون مساعدة الأجهزة الصناعية، لكن في حالة الموت الإكلينيكي لا يمكن للمريض العيش بدون الأجهزة، ولنركز على هذه النقطة.

للتلخيص ببساطة، كيف نعرف أن هذا المريض ميت إكلينيكيًا؟

  • يجب أن يكون الشخص فاقدًا للوعي ويفشل في الاستجابة للتحفيز الخارجي.
  • لا يمكن الحفاظ على ضربات قلب الشخص وتنفسه إلا باستخدام جهاز التنفس الصناعي.
  • يجب أن يكون هناك دليل واضح على حدوث تلف خطير في الدماغ ولا يمكن علاجه.

ما رأيكم في هذه الحالة؟ وهل نعتبر المريض حي لمجرد رئة تتنفس وقلب ينبض، لكن مخ ميت؟ في الحقيقة في المملكة المتحدة تعتبر هذه الحالة ميتة قانونيًا. لكن في مجتمعنا يظل الاختلاف مستمرًا، ويمكن أن يستمر هذا الشخص على أجهزة التنفس الصناعي لعدة شهور أو سنوات، استنزاف للمال، وللمشاعر. كنت أشاهد حلقة للدكتور حسام موافي يتحدث فيها عن اختلاف الآراء حول مصير هذا المريض. لنشاهدها، ونناقش هذه القضية سويًا. سؤال أخير، لما لا يمكننا الاستفادة من أعضاء هذا المريض بعد الفصل في مصيره؟، أي كل هذه المدة تعتبر الأعضاء في حالة حفظ طبيعية داخل الجسم، وكما ذكرت في مساهمة "لماذا قررت التبرع بأعضائي؟" فالأمر يستحق التفكير.