خطر لي أن نلعب بالكتابة عبر مثلاً أن تكتب في تعليق عبارة وندع المساهمين يكملون قصّتك، كل مساهم يكمل جزء منها بعبارة أيضاً!
شاركوني تعليقاتكم لنبدأ إكمال القصص!
هل أنت متأكدة من أن هذه فكرة جيدة؟ همست لأخيها وهي تنظر إلى كومة الأثاث العتيق المكدسة بشكل فوضوي في سيارته.
ولما لا نستفيد من هذه الكومة الكبيرة، ونعيد استعمالها مرة أخرى، أفكر بأن نعيد ترميمها وتطويرها بحيث نطور منها ونبيعها كتحف، ومن ثم نبيعها على الإنترنت ربما يكون لدينا مشروع لاحقا.
التفتَ لها باندهاش وحماس قائلًا: تحف؟! لقد ذكَّرتِني بما قالته جدتي رحمها الله قبل أن تَفِض روحها، لكني ظننتها تهلوس، لقد أخبرتني أن المرآب فيه تحف لا تُقدَّر بثمن، لن يحصل عليها إلا مَن يدفع الثمن، ما معنى هذا الكلام يا أختي؟!
في رأيي ان نفتش بصندوق الخردوات اولاُ، وجدتنا كانت من زمن آخر، نحن الآن في عصر المادة، واي مكسب مالي نحن اولي به.
أنا وأختي الآن أمام الصندوق المغبرّ، نفتحه فنرى مجموعة من الجوارب الملوّنة البالية، بعض الصور لها في الشباب، ساعة مكسورة وأخيراً كتاب، كتاب كبير عليه الكثير من الغبار، طبقة كثيفة على العنوان تحجبه.
يقول لها:- كتاب وجوارب بالية وساعة مكسورة وبعض الصور !!!، بحق الجحيم من يحتفظ في صندوق ببعض الجوارب البالية، وما نفعنا بمجموعة من الصور كل من فيها فارق الحياة ولا نعرف كل او معظم من يظهر فيها (عن الصور يتحدث)، اما الساعه المكسورة سوف اقول لكي كلمة واحدة تعبر عن ما بداخلي (واحسرتاه...) لو انها غير مكسورة كنا سنجني ثروة، اما ذلك الكتاب اتمني ان يكون ذو قيمة ونادر حتي نستطيع بيعه وجني بعض المال.
أمسك بالكتاب ومرره بين يده، وقلبه لينظر إلى سمكه، ثم نفخ فيه ليزيل الغبار المتراكم فوقه، ثم مسح ما تبقى من الغبار بيده لتظهر حروف محفورة بنقش متين على جلد الغلاف، ركز الإضاءة على أعلى الكتاب ليقرأ ما كتب عليه "افتحه حين تكون مستعدا للقائي"
فتسائل هل هذا الحفر من عمل جدتي؟ وإذا كان فهل تقصد ان توجه هذا الكلام لي بالتحديد أم لأيًا كان من سيفتح هذا الصندوق، بعدها نظر على الصور فوجد على الوجه الآخر منها فوجد عنوان واسم لم يتعرف عليهم.
الآن تتلاشى هذه الذكريات ويشعر أنه وحده مثل شبح وحيد مقيم في المنزل، دون بشر أو إنسان .. نعم كررت لفظي بني آدم وكأني أحاول لفظ آخر ما يربطني مع هذه الكائنات الأكثر حيوانية من الحيوانات أنفسهم. يسمونه في الطب عدوى أو مرض كراهية البشر، أو الخوف من البشر. أخيرا تخلصت من كل الحاجيات التي كانت يوما، تربطني بأولئك القلة القليلة من البشر هؤلاء الذين أسميتهم أحبتي؛ أختي، وزوجتي، وجدتي، وبالطبع أمي، وابنتي. خمس نساء في حياتي لم يبقى لهن من أثر إلا شبه دمع ينسال من عين تحاكي ذاكرة تنزف ولن يلتئم الجرح أبدا. ومع انهمار دموعه يستعيد صور مفقودة ومتناثرة لمزهرية، سجادة، أريكة، لعبة حصان صغير كانت تلهو به ابنته، وكرسي كانت تجلس عليه أمه يشبه الكرسي الذي يقعد عليه الآن، في الطابق السادس (بعد الأرضي) يتأمل جراج ممتد بسياراته عبر المساحة المفتوحة خالف الشارع. وبالرغم من أنه تخلص من الكرسي القديم، إلا أنه تعمد أن يأتي بكرسي جديد يشبه تماما ذلك الذي كانت تجلس عليه أمه، تصنع الحجاب، وترد الحبيب، وتنزل غضب الله على من تشاء. ابتلع ريقه لما يتذكر أن أمه كان لها في الأعمال!. وبالرغم من أنه تخلص من كل تلك الأشياء التي تذكره بما جمع البطل في أحد أفلام الرعب التي لا يتذكرها، وكان طارد للأرواح. إلا أنني وعلى نحو معاكس أحاول تقريبا أن أكون جالبا للأرواح علي استعيد أرواح احبتي عبر أشياء مشابهة لما كان لديهم من أشياء. واثق تماما على فعل ذلك، ربما الشيء الوحيد الذي قد يستعصي عليه هو ذلك الكتاب. على كل حال، الشقة كبيرة، واسعة، ومساحاتها كلها خالية إلا منه وكرسي أسفل منه.
يفتح الكتاب ويفتّش فيه، ويلاحظ أن هناك في كل صفحة حرف مكتوب بشكل عريض غامق، في الصفحة الأولى (ب) والثانية (غ) والثالثة (د) والرابعة (ا) والخامسة (د) أشار إلى هذا الأمر لأخته فقالت هذه كلمة: بغداد. قال لها أذكر أنّ جدتي كان لديها منزل قديم هناك قد باعته، هو في شارع بغداد!
ماذا تقصد؟ هل تظن أن للأمر علاقة بذلك البيت، أنا أستبعد الأمر لأنه حسب ما روته أمي فإنهم لم يزورا بغداد منذ طفولتهم، ولا تملك أي فكرة حول المكان، وأذكر أنها قالت بأن جدتي باعته بأغرضه لشخص مجهول منذ كان عمرها يناهز العاشرة، ولم يعودوا إليه قط.
قلب الأورق والصور الموجود مع الكتاب بين يديه، لنتبه إلى شيء أثار إستغرابه بشكل كبير!
مشيت في طريقي منكبا على وجهي، وقد فقدت بوصلتي ولا أعرف إلى أين سأتجه، هل أعود أم أستمر في طريقي والذي لا أعلم ما هي نهايته، الوقت متوقف لدي، الليل والنهار أصبحوا سيان بالنسبة لي، وجهي لم يعد يعلم معالم الابتسامة، شارد الذهن ولا اعلم متى ستنتهي هذه الحالة......
وصلت في نهاية المشي إلى البيت، صعدت الدرج بصعوبة، دخلت وأقفلت على نفسي، شعور ثقيل أن يعمل الإنسان وحيداً بمكتبه من الليل للنهار ثم يذهب للمنزل ليقفل هو بيده على نفسه..
ثم جلست في غرفتي في الظلام، واغلقت عيني على أمل ان يأتيني النوم في اي لحظة لكي استريح من ألم هذا اليوم الطويل، ولكن ما أتاني هو ذكريات من أهوي فأرقتني (من الأرق) واضاعت النوم من عيني، وكأنه لزاما علي ان اتألم كل يوم من ألم الفراق وألم العمل.
صوت خربشة على الشبّاك أخافني وجعلني أقفز من مكان على السرير، اقتربت على مهل من الستائر، ألمح ظلاً خلفها، بحثت عن أمور حادة لاستخدامها ولم أجد، تقدّمت بكل الأحوال وفتحت الستارة التي على الشبّاك والمفاجئة أنها كانت قطة عالقة من الطرف الخارجي لنافذتي!
يلا سذاجتي! كل هذا من أجل قطة، لابد وأن تعبي خلال اليوم أثر علي وبدأ يشوش على مخيلتي أيضا، ضحكت من نفسي خلال إتجاهي نحو المطبخ، لأبلل ريقي بقطرة ماء بعد هلع من حركات قطة، مشيت بخطوات مثقلة لأن تعب اليوم أكل من قوتي، وهو ظاهر الأن على حركتي، فتحت زر الإضاءة في المطبخ، حينها وقعت عيناي على الأرضية لألمح تراب مبلل، كيف وصل إلى هنا؟
وبينما كان يتجه نحو المطبخ، شعر بثقل على كتفيه، ثم سمع صوتا خافتا يأتي من الخلف. توقف وألقى نظرة خلفه ليرى القطة تتبعه بخطى خفيفة، ترافقه في كل خطوة. ابتسم بخفة، مد يده لتمسح رأسها، وأدرك حينها أن ما قام به من أجلها كان يستحق كل تعبه ومشقته.هل كان هذا مجرد انطباع أم أن هناك شيئا فعليا يخفيه باب المطبخ؟
"التراب المبلل ليس للقطة التي كانت تتبعني! وهي أصلاً لن تستطيع الوصول إلى هنا بشباك محكم الإغلاق في المطبخ وباب مغلق! - هذا ما قاله لنفسه، نظر للتراب ولمح أن هناك آثار حذاء عليها، ما أن انتبه للأمر حتى سرت رعشة باردة في جسمه ولكنه سرعان ما تعرض لضربة خشبية من الخلف حعلته يسقط أرضاً في إغماء من شخصٍ مجهول!
فتح عينيه على ثقل وكأنه يصارع جفونه لتفترقا بعد ضم طويل، ضوء مركز أذى عينيه وصعب عليه الرؤية، لكن مالبث أن اعتاده لتتضح معالم المكان، ليكتشف أنه مقيد على كرسي مكتبه المبعثر، وقد قلبت أوراقه وملفاته وكأن زوبعة قد مرت داخل غرفة مكتبه، قلب ناظريه في المكان على عجل، ليلمح وجود حقيبة نسائية حمراء مع نظارة شمسية مميزة بشريط ذهبي غريب، بعد لحظات من استقاظه من غيبوبته القصيرة سمع خطوات لها رنة الكعب العالي وهي تسير في المكان والظاهر أنها تقترب من باب المكتب!
لا تلمسها! هكذا صاح في وجه إبن عمي عن حاول الإقتراب فقط من مزهرية قديمة قدم الزمان، وضعت على طاولة مستديرة في ركن من أركان غرفة المعيشة، لا أعلم ما سبب تلك العلاقة التي جعلت منها مركز اهتمام أبي؟
دوما ما أثارت هذه المزهرية فضولي، أرى أبي وهو يتأملها أحيانا لساعات ولا يشعر بأحد حوله، وكأنه يحادثها بنظراته، أو ربما يلومها، لا أدرى، ولكن ما اعلمه جيدا أنه يكون شخصًا آخر عندما يجلس أمامها، وعندما سألته مرة تفاجئت من ردة فعله
لقد بدا هائما وكأنه يسترجع كافة ذكرياته عن هذه المزهرية، ويحاول إيجاد قصة أخرى مختلقة عنها لكي يخبرني بها، ولكنني أعرف نظراته جيدا عندما يحاول أن يجنبني معرفة حقيقة قد تضرني، ولكن ما هي؟ مما يحاول حمايتي؟
لطالما تساءلت عن سُرادِق الغموض التي تحيط بوالدي، فتارة تتشبث عيناه بأنامل السقف المتهالكة، وتارة يغوص في تفاصيل السجادة المهترئة، وكأنه يعانق سرب من أطياف الذكريات، أو يزاحم أسرارً تقذفُها أمواج اللحظات!
خطرت لي فكرة لأدفع أبي لإخراج ما في جعبته حول تلك المزهرية، وبالفعل عندما نام أبي قررت أن آخذ المزهرية وأخفيها بعناية في خزانتي، ثم نمت، وفي الصباح استيقظت على صراخ أبي وهو ينادي كالمجنون!!
أين مزهريّتي! - قلت له مستغربة: هي مزهريّة للبيت لماذا تنسبها لك فقط؟ - غضب من سؤالي وقال: بلا فلسفة، أين هي؟ - قلت له: عندي في الغرفة - ركض كمدمن إلى غرفتي ودخل إليها وحملها وركض فيها ليعيدها إلى مكانها الأصيل، شعر بالخجل أخيراً وقال لي: هذه آخر مرة تخرج من مكانها، مفهوم؟ قلت: لا.. حتى تقول لي سبب اهتمامك فيها!
سرح فيها بعيون هائمة وكأنه يحمل جبلا من الهموم والأحزن، فما لبث أن استنفر فجأة مستشعرا غرابة نفسه، فلملم تعابيره الهائمة من محياه، ثم صرخ في وجهي مؤنبا: هذا ليس من شأنك ياولد إياك وأن تقربها مرة أخرى، التفت على أعقابي مبتعدا عنه أجر أذيال الخيبة.
وبعد برهة استشعرت نبرة هادئة في صوته وهو ينادي بإسمي: يا مروان تعالى إلى هنا. فجئت مسرعا على صوته فقال لي: أحضر كوب شاي ساخن وتعالى اجلس بجانبي سنفتتح صباحنا اليوم بحكاية المزهرية.
التعليقات