في سنوات الدراسة بالخارج، لم تكن الدراسة وحدها عبئي، بل الفواتير أيضًا، لأن تكاليف الحياة في أوروبا كفيلة بأن تُخرجك من وهم الاعتماد على المنحة أو الأسرة، وتدفعك دفعًا إلى العمل الجزئي، أيًّا كان شكله أو طبيعته.

تنقلت بين أكثر من مهنة: عملت في مصنع، ووقفت خلف طاولة مطعم، وركبت دراجة أوزّع بها الطلبات في المطر والبرد. ومع مرور الوقت، انكشف لي وجع آخر لهذه الأعمال: بعض أصحاب المصانع والمطاعم يحفظون جيدًا حاجة الطالب الأجنبي إلى المال، فيحيلونها إلى وسيلة ضغط؛ أجور ضئيلة، وساعات عمل طويلة، وشروط مرهقة، وكأنك مُلزم بقبول أي شيء لمجرد أنك "غريب" هنا.

فهل برأيك يستحق العمل الجزئي في الغربة كل هذا الثمن الذي يدفع من الصحة والوقت؟

على الورق، تبدو هذه الوظائف بابًا لاكتساب الخبرة وتأمين الدخل، لكن في الواقع، تتحول إلى طاحونة تدور بك حتى تفقد توازنك، وتسرق منك الوقت الذي جئت لأجله، وتستنزف جهدك حتى لا يبقى للدراسة نصيب.

هي مربحة ماليًا، نعم، لكن الربح هنا يُدفع ثمنه من صحتك وأعصابك، ومن أحلامك التي تتآكل ببطء وأنت تركض بين المحاضرات ونوبات العمل.