كنت أظن أن التعلّم يبدأ بدورة تدريبية أو خطة منظمة، لكنني اكتشفت لاحقًا أن أكثر ما ثبت في ذهني، كان ما تعلّمته لحل مشكلة فعلية واجهتني أثناء العمل. في أحد المشاريع، تعثّرت في تنسيق ملف معين طلبه العميل بطريقة محددة لم أستخدمها من قبل. بدلًا من القلق، بحثت عن الطريقة، وتعلّمتها في دقائق، ونجحت في تنفيذها. المعلومة لم تغادر ذهني بعدها، لأنني ارتبطت بها بتجربة واقعية. من هنا، قررت اعتماد استراتيجية "التعلّم بالمشكلة" (Problem-driven learning). مع الوقت، لاحظت أنني أتعلم بعمق أكبر حين أواجه مشكلة فعلية أثناء تنفيذ مشروع. لا أنتظر حتى أنتهي لأبحث، بل أتوقف لحظتها، وأتعلم ما أحتاج إليه مباشرة، ثم أعود للتطبيق فوراً. هذا النوع من التعلّم كان مختلفًا تمامًا، فالمعلومة التي أحتاجها لحل مشكلة حقيقية غالبًا ما تترسّخ في ذهني ولا أنساها.. وأنتم، كيف تتعاملون مع لحظات التوقّف أثناء العمل؟
التعلم بالمشكلة، كيف ساعدني في تطوير مهاراتي؟
هذا ما يميز عالم "العمل الحر"، أننا نتعلم إجباريا كيف نحل مشاكلنا بأنفسنا بأسرع وقت ممكن، مما ينتج عن ذلك خبرة عميقة وعملية.
شخصيا: عندما أتوقف أثناء العمل، أسارع بالبحث عن "كيف يقوم المحترفون بالأشياء"، ومع مرور الزمن وخبرتي ككاتب مقالات: صارت لدي خبرة عميقة جدا في طرق البحث عن المعلومة عبر الأنترنت، وهي نفسها المهارة التي أستعملها عندما أتوقف وأحتاج إلى حل المشكلة.
أنا مثلك هارون أتعلم وأنا أعمل وهذا من طبيعة العمل الحر. ولكن ماذا لو كان مشروع العمل فيه أجزاء كثيرة جديدة علي وأريد أن أستقصي عنها كلها؟! وأنت ملتزم بوقت معين يوم أو يومين مثلاً وسط مهامك الأخرى؟! ألا يكون هذا عائق أمام الإنجاز المتقن السريع؟!
نعم يعتبر عائقا كبيرا، لكن مع الذكاء الاصطناعي الآن العملية صارت أسرع بكثير، شخصيا أتعلم عن طريق الذكاء الاصطناعي الكثير من الأشياء.
مثلا: يمكنني أن أفتح محادثة، ألقي الأمر التالي: "أنت مسوق محترف ذو خبرة تتجاوز 20 سنة، لديك خبرة كبيرة جدا في السوق الجزائري وخصوصا في التسويق في مجال السياحة والسفر، ستساعدني خلال هذه المحادثة في المشروع التالي: [وأذكر له جميع تفاصيل المشروع]" ويساعدني جدا في أي استفسار أجده خلال العمل.
ولكن حِذار يا أخي من هذا الذكاء الإصطناعي! لأنه بكل بساطة غير دقيق. نعم قد ياتيك بالمعلومات التي تريدها ولكن كيف نضمن دقته؟!! أنا لا أثق به مع أني أستخدمه أحياناً غير أنه غير دقيق حتى في تدقيق الأخطاء باللغة الإنجليزية!!!
استعمال الذكاء الاصطناعي يحتاج دقة واحترافية أيضا، في المثال الذي ضربته أخيرا:
غير دقيق حتى في تدقيق الأخطاء باللغة الإنجليزية!!!
قد يخطئ الذكاء الاصطناعي عندما تطلب منه الطلب بالطريقة التالية مثلا:
قم بتدقيق النص الانجليزي التالي لغويا:
لكن نسبة خطئه ستقل إلى نسبة شبه معدومة عندما تقول له:
أنت مدقق لغوي انجليزي خبير، خبرتك تتجاوز 20 سنة، تدقق النصوص وفقا لقواعد اللغة الانجليزية البريطانية، عملك يشبه جرامالي، ستدقق لي خلال هذه المحادثة مجموعة من النصوص بدقة عالية واحترافية"
(مثال فقط كتبته الآن، وإلا يمكنك البحث عن برومبتات مستعملة سابقا وجاهزة).
ويجدر التنبيه أيضا إلى ضرورة تجنب الاعتماد عليه في المعلومات الحساسة التي تتطلب دقة عالية مثل الأمور المتعلقة بـ your money and your life (قاعدة مشهورة في الseo)
شكراً أخي هارون على التوضيح وأجد ردك أفادني عمليًا مع أني أستخدم شبيه البرومبت كما تفضلت وجوابه أحياناً لا يبلغ مني الدهشة. ولكن هل يمكن أن توضح لي ما قلت أخيرا و ما علاقته بالSeo؟
ويجدر التنبيه أيضا إلى ضرورة تجنب الاعتماد عليه في المعلومات الحساسة التي تتطلب دقة عالية مثل الأمور المتعلقة بـ your money and your life (قاعدة مشهورة في الseo)
نعم، في الحقيقة توجد قاعدة يطبقها عادة جوجل ومحركات البحث تعرف ب: EEAT وهي اختصار لأربع كلمات: "الخبرة، والتخصص، والمصداقية، والثقة" (Experience, Expertise, Authoritativeness, and Trustworthiness)
هذه القاعدة تسمح لجوجل أن يرشح أفضل محتوى ممكن للباحث عندما يبحث عن المعلومات الحساسة المتعلقة مباشرة بحياته أو أمواله your money and your life، مثل الصحة، العمل، الاستثمار، المعتقدات... فيحاول أن يرشح له أفضل محتوى ممكن وأقربه إلى الصحة بناء على المؤشرات الأربع المذكورة سابقا.
أنا ذكرت هذه القاعدة للإشارة المباشرة إلى المعلومات التي عليك أن لا تعتمد فيها على الذكاء الاصطناعي، أو على الأقل أن تعتمد عليه بحذر شديد.
ولكن ماذا لو كان مشروع العمل فيه أجزاء كثيرة جديدة علي وأريد أن أستقصي عنها كلها؟! وأنت ملتزم بوقت معين يوم أو يومين مثلاً وسط مهامك الأخرى؟! ألا يكون هذا عائق أمام الإنجاز المتقن السريع؟!
بالنسبة لي، لا يمكن أن أبدأ مشروع لا أملك عنه أي معرفة وأعتمد فقط على التعلم خلال تنفيذه. فأنا أؤمن بأن التعلّم بالمشكلة يُطبّق في إطار مشروع نُجيد أساسه، ثم تعترضنا جزئيات صغيرة أو تفاصيل لم نواجهها من قبل، فنتعلّمها لحظتها ونُكمل. أما المشاريع التي تتطلب استيعاب واسع منذ البداية، فلا أراها مناسبة لهذا النوع من التعلّم، خاصة إن كان الوقت محدوداً.
غالبًا، لا نتعلّم حين نُخطّط… بل حين نرتبك.
حين تتعثر يدك في تفاصيل صغيرة، في مشروع بسيط، فتنكسر السلاسة، ويولد السؤال.
وحين نبحث لا بدافع الفضول، بل لأننا بحاجة ملحّة… يصبح الفهم أعمق، ويصير التعلم جزءًا من ذاكرتنا الحيّة.
هذا النوع من اللحظات هو ما أراه بذرة التحوّل.
في كتابي "أعد تشغيل نفسك"، أتحدث عن هذه اللحظات بالذات:
حين يتوقف كل شيء، لا لينهار، بل ليُعيد ترتيب نفسه بطريقة أكثر صدقًا، أكثر وعياً، وأكثر قربًا من ذاتك.
فربما، ما نحتاجه أحيانًا، ليس خطة تعلم، بل لحظة صامتة نسأل فيها: ماذا يحدث داخلي الآن؟
وحين نُصغي بصدق… نبدأ التغيير حقًا.
رابط كتابي المتواضع:
وأنتم، كيف تتعاملون مع لحظات التوقّف أثناء العمل؟
أعتقد أن جيمعنا تمر به أوقات يتعلم وهو يعمل وهذا من طبيعة العمل الحر الخاصة جداً؛ فهو غير الوظيفة التقليدية التي تتطلب احتراف علم معين تأتي محملة به قبل ممارسة مهام وظيفتك وتظلين سنوات تمارسين المهام بدون تطور يذكر فيصبح العمل ميكانيكيا أو آلياً لا تعليم فيه. ولكن أنبهك أن تلك الطريقة في التعلم لا تنفع على طول الخط. يعني لا يصح أن نتولى مشروع كبير في مجال مشابه لمجالنا او بعيد عنه بوقت تنفيذ قصير ثم نعتمد أننا سننجزه و نبحث ونتعلم خلال ذلك. أعتقد اننا يمكن ألا ننجز المشاريع هذه بسهولة و قد نتخطى وقت التنفيذ إذا لم نكن اشتطرنا وقتًا طويلاً بما يكفي لنتعلم من خلاله.
أتفق معك تمامًا، التعلم من خلال تنفيذ المشاريع لا يُغني عن وجود حد أدنى من المعرفة أو الإلمام بالمجال مسبقًا، خصوصًا في المشاريع الكبيرة أو ذات الوقت الضيق. لكن ما قصدته في المساهمة هو التعلّم في لحظته داخل منطقة نتحرك فيها فعليًا، وليس خوض تجربة بالكامل من الصفر بدون استعداد. وهنا يأتي التعلّم بالمشكلة كمحفز للتطوّر وليس كبديل للخبرة الأساسية.
أشاركك الرأي فقد مررت بتجربة مشابهة أثناء العمل وأدركت أن التعلم الفعلي لا يحدث في القاعات ولا داخل الخطط وحدها بل في لحظة الحاجة عندما تضعنا الحياة أو العمل أمام تحد حقيقي نضطر معه للبحث والفهم والتطبيق فورًا وهنا تترسخ المعلومة لأنها ببساطة مرتبطة بموقف حي وليس بحفظ نظري وأعتقد أن أفضل طريقة للتعلم هي أن نتعلم ونحن نتحرك وأن نؤمن أن كل مشكلة هي فرصة لاكتساب مهارة جديدة لا مجرد عائق يوقفنا
بالظبط كلامك يعبّر تمامًا عن روح التعلّم بالمشكلة، وفعلًا النقطة التي ذكرتِها حول ارتباط المعلومة بموقف حيّ هي ما يجعلها تترسّخ وتتحوّل إلى مهارة نعود إليها تلقائيًا عند الحاجة. وقد لاحظت مع الوقت أن هذا النوع من التعلّم لا يقتصر فقط على كونه ردّ فعل لمشكلة، بل يدرّبنا أيضًا على سرعة التحليل واتخاذ القرار تحت الضغط، وهي مهارة يصعب ترسيخها من خلال التدريب النظري وحده.
استراتيجية التعلم بالمشكلات فعلاً أكثر من رائعة في جميع مجالات الحياة، وأنا شخصيًا أستخدمها مع طلابي وأرى تأثيرها ممتازًا، حيث يتعلمون بشكل عملي ويرتبطون بالمعلومة بشكل أعمق، وبالنسبة لي تنجح هذه الاستراتيجية بشكل كبير، فقد صادفتني الكثير من العوائق والمهام التي لم أكن أعرف عنها شيئًا، ولكن عندما أواجه المشكلة وأبحث عن حل لها في تلك اللحظة أتعلم بسرعة وأتذكر المعلومة جيدًا، لكن في الوقت ذاته أعتقد أنها قد لا تصلح مع الجميع، فبعض الأشخاص قد يحتاجون إلى أنظمة وخطط منظمة أكثر للتعلم، بينما البعض الآخر يحتاج إلى القليل من التوجيه قبل أن يتعلم عن طريق التجربة. باختصار كل شخص لديه أسلوبه الخاص في التعلم، والأهم هو أن نجد الطريقة التي تناسبنا.
أتفق مع نقطة أن هذه الطريقة فعلا لا تصلح لكل المشاكل، فهي تصلح بالفعل للمهام والمهارات الصغيرة التي يمكن اكتسابها في نصف ساعة أو ساعة، لكن العلم الحقيقي لا يمكن أن نعتمد فيه على ذلك.
فطلابك الذين تستخدمين معهم تلك الطريقة، لا يمكن أن تشرحي لهم منهج كامل، لكنها تصلح لمعلومة جانبية أو سؤال ما.
لكنك في بداية الدرس أو الحصة من الضروري أن تشرحي لهم الأساسيات والمعلومات والعلم الذي سيحتاجونه فيما بعد في حل تلك المشكلات واكتساب مهارات ومعلومات جديدة.
أتفق معك في أن التعلّم بالمشكلة قد لا يناسب الجميع بنفس الدرجة، وقد يحتاج بعض الأشخاص لقدر من التوجيه أو الأساس النظري قبل خوض التجربة الفعلية. لكن اعتقد أن حتى من يفضّلون النظام والخطط، يمكنهم الاستفادة من هذه الاستراتيجية لو طُبقت جنبًا إلى جنب مع أسلوبهم المعتاد. أحيانًا تكون المشكلة نفسها بمثابة محفّز للتعلّم، تدفع الشخص إلى تجاوز الخوف من التجربة والدخول الفعلي في التطبيق، وهنا يحدث التعلّم الحقيقي.
أعجبني أيضًا استخدامك لها مع طلابك، لأن التعلم حين يكون مرتبط بتجربة واقعية، يترك أثراً لا يُنسى فعلاً.
التعليقات