كثير من المستقلين، وأنا واحدة منهم، نقع أحياناً في حيرة بين الرغبة في التطوير والخوف من التبذير. أحياناً أشتري أدوات أو ألتحق بدورات تدريبية دون تخطيط دقيق، بدافع أنني (أستثمر في نفسي)، لكنني أكتشف بعد فترة أن بعض هذه النفقات لم تكن ضرورية، بل أثرت على استقرار دخلي. وفي المقابل، التردد المفرط أحياناً يجعلني أفوّت فرصاً مهمة. هذا التذبذب بين الإنفاق والاستثمار يصبح تحدياً يومياً في الحياة المهنية. لذا، كيف يمكننا كمستقلين أن نضع معايير واضحة للتمييز بين الإنفاق الذي يعزز تطويرنا المهني، وبين الإنفاق العشوائي الذي قد يصبح عبئاً على استقرار عملنا؟
اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب: متى يكون الإنفاق العشوائي محفزاً للنمو، ومتى يصبح خطراً؟
كلامك صحيح ويعبّر عن معاناة يعيشها كثير من الناس وليس المستقلين، لكن الإشكال ليس في الصرف ولا في التردد، بل في غياب نظام واضح لاتخاذ القرار.
الاستثمار في الذات مهم، نعم، لكن حين يتحوّل إلى إنفاق عشوائي تحت شعار التطوير، يصبح عبئاً لا قيمة مضافة.
الحل؟ لا إنفاق بلا هدف، ولا تردد بلا مبرر. اسألي: هل هذا الصرف يخدم هدفاً ملموساً على المدى القريب أو المتوسط؟ إن لم تجدي إجابة واضحة، فهو غالباً ترف لا ضرورة.
النمو لا يحتاج إنفاقاً كثيراً بقدر ما يحتاج وعياً مستمراً.
عن نفسي أرى التخطيط المالي ضرورة للجميع ولا يختلف في ماهيته وتأثيره بين أن كان للمستقلين أو لغيرهم، فمن المفترض أن يكون الدخل مقسم للاحتياجات والطوارئ والاستثمار والادخار، وفكرة تطوير الذات وأدوات العمل تقع في الإستثمار وهنا لا يجب أن تتعدى نفقاتنا بها القدر المخطط للاستثمار
أما فكرة أصرف ما في الجيب فهي منطوقة لدفع البخل والخوف من قلة الرزق، ولكن بطريقة ما تم تطويعها وتفسيرها لاستباحة الإسراف والعشوائية في الإنفاق وأنا لا أرى أن هذا صحيح بالمرة
مررتُ بتجربة مشابهة حين أنفقت على دورة لم أخطط لها جيدًا، فقط بدافع "التطوير الذاتي"، لأكتشف لاحقًا أنها لم تضف لي شيئًا حقيقيًا. تعلّمت بعدها أن أسأل نفسي قبل أي إنفاق: هل هذا سيفيدني خلال فترة قريبة؟ وهل سيعود عليّ بفرصة أو مردود واضح؟ كما خصصت نسبة ثابتة من دخلي للتطوير، حتى لا يؤثر ذلك على استقراري. الاستثمار مهم، لكن الأهم أن يكون بوعي وضمن خطة
الغريب من وجهة نظري أن الإشكال يبدو محصورًا بين إنفاق غير مدروس وتردد مُثقل بالحذر، وكأننا نفترض أن لدينا فقط هذين الخيارين. بينما يمكننا أن نضيف خيار ثال، وهو أن نضع لكل فرصة تطوير معيارًا محاسبيًا بسيطًا كأن نسأل ما العائد المتوقع؟ هل سأستخدم هذه الأداة خلال شهر؟ هل هذه الدورة ستضيف لي مهارة مطلوبة في السوق أم مجرد إشباع فضول؟
المشكلة ليست في الإنفاق، بل في غياب نموذج قرار مهني يُنقّح لنا لحظات الحماس، ويعيدنا إلى المسار المالي الواقعي.
التعليقات