عندما بدأت في مجال الترجمة والكتابة الحرة، واجهت تحديًا كبيرًا مع بعض العملاء وبالتحديد أحد العملاء كان من الذين يتوقعون جودة عالية وكمية كبيرة من المحتوى في وقت قصير فكان يطلب ترجمة مقالين وكتابة آخر كل يوم نظرًا لكونه يعتمد علي وحدي في محتوى موقعه، وكان في هذا عدم مراعاة للعملية الإبداعية والبحثية اللازمة في الترجمة وفي الكتابة بشكل أساسي. في بداية الأمر، كنت متحمسًا لإثبات قدرتي، لكن سرعان ما أدركت أن توقعاته كانت غير واقعية وقد أثرت سلبًا على جودة العمل، وقتها تعاملت مع الأمر كونه أمر واقع وهذا أدى إلى زيادة الضغط علي حتى تسبب هذا في انهاء التعامل، وأجد نفسي افكر الآن إذا كان هناك طريقة أفضل للتعامل مع الأمر، ما رأيكم؟
كيف تتعامل مع التوقعات غير الواقعية من العملاء؟
أشعر بأنها واحدة من مهماتي هي أن أقوم بتثقيف العميل والشرح له في هذه الأمور، لا يجب أن تفترض بأنه يضغطك في المواعيد عن قصد، هو يجهل فقط العملية التكوينية للمحتوى الذي تعمل غليه، ولذلك إذا كان الطلب يفوق قدراتك حقاً فاشرح السبب وكن صادق وشفاف مئة بالمئة ولكن قدّم مع شفافيتك أيضاً حلولاً بديلة قد تلبي احتياجاته، كالتعاون مثلاً الذي عادةً ما أطلبه، أي بدلاً من مجرد قول لا له ولا أستطيع، أحاول إيجاد أرضية مشتركة لإنجاز العمل وفقاً لمعياري ومعياره، معرفة ما إذا كان بإمكانه العمل معي مثلاً لتحقيق نسخة أكثر واقعية وسرعة من هدفه.
ولذلك إذا كان الطلب يفوق قدراتك حقاً فاشرح السبب وكن صادق وشفاف مئة بالمئة
جميل، لكن أضيف أن مخاطبة العميل تكون أكثر إقناعًا إذا ما خاطبناه من خلال الجودة ليس من خلال القدرات فحسب، فمن باب القدرات فلا بد أنه وجد عشرات من المستقلين يقدمون ثلاث وخمس مقالات في اليوم -لا أعرف كيف يفعلونها أنا لا أستطيع أن أكتب حتى واحدًا في اليوم- هنا هو له تجربة مع القدرة لكنه لم يجرب الجودة بعد بالتأكيد، لذا الأفضل أن نركز جدًا في مناقشته على أن استيفاء الجودة في العمل وفق معاييرنا لن يتحقق مع حجم العمل الذي يطلبه، ونحن نمنح الأولوية للجودة لا للكم، ومن تجاربي العملاء يقتنعون جدًا، خاصة عندما يتسلمون عينة تجريبية تكشف لهم عن مصداقيتي والحمد لله.
من الأمور التي فكرت بها انه كان بإمكاني الاستعانة بأحد الأصدقاء ليساعدني في العمل ويحصل على مقابله وأراجع أنا الجزء الذي عمل عليه للتأكد من موافاته للشروط لكن هذا كان سيقلل من دخلي بعض الشيء وفي نفس الوقت لم أكن سأخبر صاحب المشروع بهذا حتى لا يستغل الأمر.
الاستعانة بأحد الأصدقاء ليساعدني في العمل ويحصل على مقابله وأراجع أنا الجزء الذي عمل عليه
انتهاج هذا الطريق قد يقلل شغفك بالكتابة والهدف منها بتنمية قدراتك الكتابية، فقد ينتهي بك الامر لتحرير النصوص التي يكتبها صديقك، أو أن كتاباته لا ترقى لما تتوقعه، كما أن لكل كاتب أسلوبه الخاص، فإن نُشرت مقالاتك بعد أن يكتبها غيرك ألن تشعر بالندم؟ أظن أيضًا ان هذا لن يريحك بل ستظل قلقًا طوال مدة التنفيذ، معظمنا لا يثق إلا في عمل يديه، وهذا أيضًا لن يقلل دخلك قليلًا بل كثيرًا فأنت لن تبخس صديقك حقه أو تضغطه كما فعل معك العميل.
بخصوص امر النشر فالمقالات كانت تنشر تحت اسم فريق تحرير الموقع فبالطبع أنا لن أقبل ان ينشر عمل غيري بإسمي، أما بخصوص نقطة تنمية القدرات الكتابية فأنا لم أجرب المراجعة بصراحة لكن أعتقد أنها أيضًا تنمي مهارة الكتابة في نظري بل وتجعل النظرة الناقدة تظهر وتصبح اكثر قوة لكن بالطبع يجب ان يكون المراجع يتمتع بقدر ما من الخبرة وطريقة الكتابة المتماسكة.
بالضبط بعض العملاء يحتاج إلى أن يأخذ المستقل بيده ولا أقصد بهذا الإهانة لكن البعض بالفعل لا يستطيع تكوين توقعات مناسبة قبل كتابة المشروع وتحديد شروطه وقد يؤدي هذا مثلًا إلى أن يتأخر هو في قبول العروض مثلًا فيصبح الوقت أمامه وأمام المستقل ضيق ثم يحمل مسؤولية هذا للمستقل ويرفض التعامل مع من لا يجدها مناسبة وهو من حقه بالطبع في النهاية، لكن أشك أنه في النهاية سيحصل على الجودة المناسبة له.
أريد أن اضيف أن بعضهم بعد أن يكون تفهم أسلوب شغلك ومتوافق معه، تجده فجأة يخرج بكمية تعديلات غير منطقية بالمرة، ويتوقع منك أنك من المفترض أن تتفهم ذلك بمفردك، أو أن تعرف ما يريده هو حتى قبل أن يقوله لك، أحد العملاء سألني مرة عن عدم كتابتي لجمل محددة في مخيلته! والأدهى أنني بعد أن أبذل وقتًا ومجهودًا في البحث في المراجع والكتابة بأسلوبي وصياغتي، يطالبني بالبحث في دراسات محددة لديه والكتابة منها، وهو لم يذكرها قبلًا. هل تعاملت مع عملاء من هذه الفئة قبلًا؟
أعتقد ان التوقعات غير الواقعية للعملاء يقابلها نتائج غير متوقعة سواء للعميل أو المستقل، فإن كان العميل يعتقد أنه سيحصل بذلك على عمل بجودة عالية فسيحصل عكس ماتوقع مهما بذل المستقل من عهود، أما إن كان المستقل يقبل بذلك فلابد أنه سيواجه قصورًا إما في جودة المحتوى أو الضغط النفسي أو عدم النوم والإرهاق وفي النهاية قد لا تتم الصفقة.
في بداية الأمر، كنت متحمسًا لإثبات قدرتي، لكن سرعان ما أدركت أن توقعاته كانت غير واقعية
كانت بدايتك عكس بدايتي فكنت أقترح وقتًا أطول للعمل خشية ألا أقدم المحتوى المناسب وأحصل على تعليق سلبي، مما أخرني في عدد المشاريع التي حصلت عليها، لكني لم أقدم عملًا لست راضية عنه وإن كان قليلًا. ما أفعله عادة هو إخبار العميل بالمدة التي يستغرقها العمل مع عينة تجريبة يطلبها، فإن كان مناسبًا اتفقنا او أعتذر.
في بعض الأحيان لا يملك المستقل رفاهية الاعتذار عن العمل للأسف، وأعتقد أن بعض أصحاب المشاريع يعلمون هذا ولا يقدرونه.
هل جربت محاولة أن تتفق على يوم راحة مثلا وأثناء هذا اليوم تعمل على المشروع بجانب اليوم التالي والذي هو المحدد للعمل وترسل للعميل الخدمة بجودة أعلى بدرجة ظاهرة جدا في العمل وتخبره أن هذه الجودة نتيجة عدم الضغط والوقت الكافي التي حصلت عليها.
تعرضت لنفس الشيء في بداية عملي على منصة مستقل، فقد طلب مني عميل كتابة 10 مقالات حصرية يومياً بعدد كلمات يفوق الألف كلمة، وفي البداية كنت أعتقد أنه يمكنني فعل ذلك، إلا أنني وجدت الأمر يؤثر على صحتي الجسدية والنفسية ولا يعطيني الوقت للراحة على مدار اليوم، ومنذ ذلك الحين قررت تقسيم وقتي جيداً حتى لا يتعارض العمل مع حياتي الشخصية بأي شكل، مع تحديد المهام التي يمكنني القيام بها في اليوم الواحد بدقة.
هذا ضغط عمل غير واقعي تمامًا وأعتقد أن صاحب المشروع في هذه الحالة كان يعلم جيدًا هذا ولا يهتم ولا يلقي للأمر بال على الإطلاق، لكن هل اكملت المشروع مع هذا العميل ام اعتذرتي؟
للأسف كنت مضطرة حينها للاعتذار عن المشروع أو حتى تخفيف العمل قدر الإمكان وتوزيعه على عدد أكبر من الأيام، وبالفعل أبلغت العميل بذلك ولكنه طلب مني توزيع المشروع على أكثر من كاتب والإشراف على الكتاب للتأكد من جودة العمل، ولكن لم أكن وقتها أمتلك الوقت والخبرة الكافية التي تؤهلني لتحمل مسؤولية مشروع كتابي ضخم خاصة في فترة الدراسة الجامعية.
في بداية الأمر، كنت متحمسًا لإثبات قدرتي، لكن
الحل اليتيم يتلخص في كلمة واحدة: لا تتحمس.
لقد قالها لي أحد أصحاب العمل الغير محترفين عن موظفة عنده: وجدتها رائعة؛ كلما أعطيتها شيئا أنهته بسرعة فتشجعت لأعطيها المزيد والمزيد. حقا إنها موظفة رائعة. هل تعرف ماذا كانت النتيجة؟ قام برفدها من أول شهر وكانت حجته أنها مقصرة في عملها ومهملة.
بعض الأشخاص الغير محترفين يعتبرون أن الكم أفضل من الكيف ولذلك يكون عندهم ال Turn over في شركاتهم أو مشاريعهم رهيب لأنهم يوظفون شخصا اليوم صباحا ثم يطردونه قبل وجبة الغداء.
الكثير من هذه التصرفات توحي لي أن بعض هؤلاء لا يتعاملون مع الموظفين كبشر من لحم ودم ومشاعر وطاقة وهكذا فقط هم آلات لتفريخ العمل وتوليد الربح وفقط، وفي نظري هذه مشكلة بنيوية أكثر من كونها شخصية ففي النهاية هذا هو نظام وابكريقة التي يعمل من خلالها الاقتصاد العالمي.
كلامك صحيح لكن للأسف هذا هو النظام المُتبع مع غير المحترفين. أما سمعت عن الدراسة التي جربت تقليل ساعات العمل إلى 4 ساعات يوميا فقط ونجحت في شركات كثيرة حول العالم؟ أنا شخصيا جربت هذه النظرية مع فريقي ونجحت بامتياز إذ أنها وفرت من الوقت المهدر في العمل لأن الموظف لا يعمل كل تلك الساعات المرهقة وأيضا لا يعمل من أجل الحضور والانصراف وإنما من أجل إتمام المهام.
في بداية الأمر، كنت متحمسًا لإثبات قدرتي،
أعتقد أن هذا هو الخطأ الكبير الذي يقع فيه معظم المستقلين، وخاصة منهم الجدد في الميدان، تأخذهم الحماسة الشديدة لاثبات أنفسهم وقدراتهم للعميل وبذلك يجدون أنفسهم واقعين في مأزق الضغط والتوتر لمواصلة العمل واتمامه بجهد مضاعف، وأظن أن ذلك راجع لخوف ينتاب المستقل من فقدان العمل مع العميل أو اختيار شخص أخر للقيام بالعمل وهو يعلم جيدا مقدار المنافسة الشديدة في هذا المجال، لذلك يفترض أنه لا يجب عليه رفض أي توقع يضعه له العميل، والا ظهر وكأنه معدوم الخبرة والمهارة ولا يرقى لمستوى المهمة.
الحل هنا هو الوضوح التام حفاضا على سير العمل بسلاسة وسهولة حتى لو أدى ذلك للانسحاب من العمل ، مر علي مشروع مشابه، لعميل يريد تدقيق ملف من 500 صفحة ومكتوب بخط صغير في ضرف 3 أيام فقط، فوضحت له أن ذلك مستعصي جدا إلا إذا أردت جودة رديئة في النتيجة.
التعليقات