https://suar.me/wN133
الزمان : يوم من الأيام الدامية في شرقنا العربي العزيز الذي لم يشهد فجراً هادئاً ولا ليلة قمراء .. منذ أن حلت عليه لعنة الإرهاب و التصقت بالدين السمح تلك الأكذوبة فصدقها عنه الكثير لا فرق إن كانوا من الشرق أم من الغرب
الشهر: شهر الرحمة و موسم الطاعات والقربات يشد فيه المؤمنون أحزمتهم فتكتظ بهم المساجد و تعمر موائد الرحمن و تضاء لياليه القدرية
التوقيت : ضربة المدفع تعلن بدء الإفطار ..ذلك الصوت الذي بات يتردد في آذاننا مضخماً أضعافاً مضاعفة بلا توقيت ولا حرمانية يعلن موسم الهول والقتل والدمار لا يراعي قدسية لشهر أو حرمة لدم طفل أو امرأة أو شيخ طاعن
في بلادي لم يعد المدفع يستعمل قبيل الإفطار فننتظره بفارغ الصبر ! المدفع هناك ناقوس الموت يدق فوق رؤس الآمنين و يدك بيوت النائمين
الموسم : رمضان .. ضيف محبب ينتظره الأطفال والكبار بفارغ الصبر يجلب معه الفرح والحبور ..
هذا الضيف لم يعد كذلك .. بل صار يجلب الحنين والغصات في الحناجر والعبرات العالقة بين الأهداب
لا يوجد منزل لا يشكو الفقد في رمضان ! لا توجد عائلة لم تتجرع طعم الاغتراب !
المكان .. وسط البلد في كنيسة قديمة اقتطع منها جزء لصالح منظمة غير حكومية ترعى شؤون اللاجئين من جنسيات مختلفة
دعيت إلى الإفطار معهم فلبيت الدعوة .. ليست هذه هي المرة الأولى التي أدعى إلى إفطارهم حيث يقام في هذه الكنيسة كل رمضان إفطاراً جماعياً تجتمع فيه جنسيات عدة إفريقية وآسيوية يتشاركون بهجة الإفطار سوياً و يتناولون طعاماً معداً بأيديهم
المرة الماضية تناولت طعاماً سودانياً .. هذه المرة كان طعاماً يمنياً شهياً
دعوكم من الأسماء و تعالوا معي إلى فناء الكنيسة
حيث تجمع الضيوف بالعشرات تنوعت ألوانهم وأجناسهم الافريقي و الاسيوي والاوروبي يتحلقون حول الموائد بانتظار آذان المغرب
يطوف علينا المتطوعون ويحملون التمر والعصائر ووجبات الطعام .. وجوه سمحة و عبارات تهنئ المسلمين الصائمين بشهرهم و تتمنى لهم إفطاراً شهياً
تحين لحظة الإفطار ويعلو صوت الآذان ويبدأ الجميع بشرب الماء وأكل التمرات لا فرق إن كان مسلماً أو غير مسلم .. الجميع سواء
تغمرني في هذه الأجواء مشاعر و أفكار يضجّ بها كياني .. هذه هي الإنسانية والتسامح تتجلى في أبهى صورها
في ذات هذه الأوقات الطيبة ولكن في بقعة أخرى من كوكبنا المزدهر بالسلام تشحن الأفكار السوداء و تعتمل في الصدور الأحقاد ويغدو السلاح هو المتحدث الرسمي
يقطعني صوت المتحدث الرسمي في حفل الإفطار بلغته الانكليزية ولكنته البريطانية مرحباً بالحضور و متمنياً لهم إفطاراً شهياً مضيفاً إلى سلسلة ترحيباته وأمانيه ألا يرانا العام المقبل في فناء هذه الكنيسة التي تجمعنا اليوم
فالضيوف هنا لاجئون _بمن فيهم أنا _ وما يجمعنا أرض طيبة وأمنية حزينة ..
(آمين) كلمة تهمس بها القلوب نقولها إثر الدعاء مسلمون كنا أم نصارى عرباً أو أعاجم
يتناول مكبر الصوت أحد العاملين في المنظمة و يحكي لنا : "منذ يومين فقط عدت من النرويج حيث كنت أحضر دورة تدريبية عن (الحوار) ضمت سبعاً وعشرين فرداً من أنحاء متفرقة من العالم وشاء القدر أن أكون العربي الوحيد الآت من الشرق السعيد و المسلم الوحيد الصائم بين الحضور .
في النرويج يبلغ عدد ساعات الصيام 22 ساعة فقط ! ولاشك أن الفندق الذي نزلت به لم يكن ليقدم وجبات الإفطار أو السحور للصائمين بل يقدم وجبات ثلاث آخرها عند الثامنة مساء .
و في أول يوم صوم قضيته هناك قرع عليّ أحدهم باب غرفتي قبيل الإفطار فوجدت عند الباب مدير المعهد النرويجي الذي يقدم لنا الدورة التدريبية .. كهل في الستين من العمر ابتسم و وجه لي دعوة للإفطار عنده حيث أعدت زوجته الطعام أو أنه سيحضر لي شيئأ من هذا الطعام الوفير لأتناوله في غرفتي على راحتي .
لم يعط لنفسه الفرصة حتى يمضي يومان فيعلم بقصة صيامنا نحن المسلمين .. لكنه بادر
انعقد لساني و لم أدر كيف السبيل لأشكره ليس لأنه دعاني إلى مائدة الإفطار فحسب بل لأنه قدم لي درساًعملياً في الحوار الفعال كان أعظم مما جئت لأجله النرويج قاطعاً بلداناً وقارات !
هذا الحوار الصامت الذي انعقد بين رجلين لا شيء يجمعهم كالدين أو العرق أو اللغة جمعهم حوارٌ روحيٌّ إنسانيُّ خالص يسمو عن أي تفرقة كان أبلغ وأعمق من أي لغة حوار أخرى !
أبلغ من العديد من المحاضرات و المؤتمرات الدولية التي تدعو العالم إلى الحوار والتعايش السلمي وتقبل الآخر (نظرياً) لكن قلما رأيناه يتجسد بصورته (العملية ) وهذا ما أدعوه يا سادة (حوار الروح) "
إنه كذلك يا سيدي ! أتاني الجواب و غمرني السلام على مائدة إفطاري الرمضانية في فناء الكنيسة ..
السلام الذي يتحدثون عنه في نشرات الأخبار .. السلام الذي يدعيه كل سياسيّ يسكّن به ثائرة أهله وشعبه بأنه سيعود إليهم ظافراً بعد الحوارات و التشاورات والمفاوضات حاملاً لهم السلام .. السلام الذي سيسلب منا الأرض مقابل أن نعيش بسلام ! كل هذه (السلام) لا يشبه ما شعرت به هذا اليوم !
ولعل تواجدنا اليوم أجناساً وأعراقاً وأدياناً مختلفة على مائدة إفطار واحدة في شهر يقدسه المسلمون في فناء كنيسة لهو أبلغ تأثيراً وأعمق مقالاً و أنفذ رسالةً ممكن أن تصل للعالم جمعاء عن (حوار الروح) !
نريد المزيد من هذا الحوار .. نريد ولنا الحق في مزيد من المحبة والتسامح والسلام .. نريد ممن بقي على قيد الحياة أن يبقى علي قيدٍ من الإنسانية وقيدٍ من سلام !
12/ رمضان / 1438
كلام رائق وممتع عن التحسين والتغيير،
وشدني حرصك ولكن مع ذلك لدي ملاحظة.
أولا الإكثار من التفاصيل والابتعاد عن الفكرة الأساسية أمر غير محبب في بعض الأحيان.
ثانيا الاستهداف والتحليل لأبعاد القضية شيء لا أجده في نصك، ويا ليتك التزمت بهذا ليكون نصك أحسن من هكذا، بالتوفيق ^_^ .
ليس باستهداف ولا تحليل سيدي هو مقال من مقالات الرأي.. اشكر مرورك القيم
تجربــة جميلــة أحيــيك على طرحــك. آخرون يكرهون هذا النوع من الســلام لن يفهمــوه جيــّـداً. عندمــا نصـف معنــى السلام لهــم كمن يصــف اللون البنفــسجي لأعمــى. يعرفونــه اصطلاحــاً ويستخدمــونه ويسمــّـون كل مايوافق قناعاتهــم سلام، حتــى الموت والقتــل والدمــار يسمونهم ســلام.
شكرا لمروركم
كتير حلوة التجربة ريم :) شكرا أنك شاركتينا بها
شكرا عزيزتي لينا
نعم فمنهم من يحب الاسلام واكثرهم من يكرهون الاسلام.
لماذه في رئيك جعلُ الافطار في الكنيسة. لماذه لم يكن في مكان أخر
لا أعلم ربما كانت لديهم ايدلوجية عنصرية أو تبشيرية لها أهداف باطنية!! هذا في حال لو كنت ممن يتبنى نظرية المؤامرة الكونية على الإسلام والمسلمين!
اشكر مرورك
هي الحقيقة في اعتقادي لها أهداف باطنية, ولكن أستغرب كيف لمسلم أنَ يقبل دعوه الافظار في مكان قد يدعُ مع الله الهاً أخر, في مكان يحلل ما حرم الله, في مكان يعبد الصليب من دون الله.
في الحقيقه لم أقتنى بهذه الموضوع.
وهل هناك دليل على ذالك ولو واحد فقط.
ملحوظة: رمضان ليس من الأشهر الحرم
صدقت، فالأشهر الحرم هم : شهر ذو القعدة، وذو الحجّة، ومحرّم، ورجب أما الباقي فهي أشهر عادية.
صدقت شكرا التصويب
لا أُريد أن أكون أسوء من مدير المعهد النرويجي ذاك، في الدعوة بالحسنى، ولكن لا أعرف كيف أفعل ذلك؛ ففي مقالك الكثير من الأخطاء الجوهريّة والمحوريّة، مثل:
وصم "الإنسانيّة" بطابع معيّن (وكأن ما يضادها "حيوانيّة"، والحقيقة هذه شبه عمّت بلواها الكثير من الناس).
والغلو في السلاميّة، والتعايشيّة (التي خرجت من ظاهر المعاملة، إلى عظام العقيدة)، وأشياء هنا وهناك...
المهم...، ربما أردّ على هذه الأمور في وقت آخر أنسب من هذا.
لم توضح أين هي الأخطاء الجوهرية و المحورية!
سيدي العزيز في مقالات الرأي لا يوجد صواب ولا يوجد خطأ
ثانيا الإنسانية عكسها لا إنسانية
اخيرا الغلو حسب رايك هو بعدنا عن الإنسانية و ليست نظرتي المثالية
شكرا لرايك
بل يوجد!
وإلا فيمكنني أن أرى أنه يمكنني أن أظلم وأسلب وأفعل ما أشاء، دون أن يُعتبر رأيي ذاك خاطئًا.
الرأي باعتباره جزئًا من الإخباريات، فهو يحتمل الصواب والخطأ.
اخالفك الرأي و احترم وجهة نظرك.. انت حر بأفكارك مالم تضر و لا أحد له الحق أن يحجر على رايك طالما لم تمس حرية الآخرين و تقبل مروري
وأنا أخالفه الرأي أيضا ..
فأنت حر ما لم تضر
حريتك تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين
دعني أسألك (والسؤال أيضًا موجّه إلى @reemsabouni): مادام الحديث عن الرأي، فكيف نحدد أن هذا الشيء يضر أو لا يضر؟، فأنا حين أرى رأيًا ما بالتأكيد سأظن أنه لن يضر!، وبالتالي فكلمة يضر لا معنى لها هنا.
نفس التصحيح الذي في تعليقي على ريم بالنسبة لكلمة حريّة.
ولكن لو ناقشنا المعنى الذي تقصده (حسب لفظك هذا)، فأين تبدأ حريّة الآخرين؟، هذا هو السؤال الجوهري؛ فأنا حين أرى شيئًا يحجر على الآخرين، ففي الغالب سأرى أني لم أتدخّل في حريّة الآخرين.
هذا الكلام ملقًا على عواهنه، ولا أحسب أن عندكي عليه دليل شريعيٌ أو عقليٌ، إنما إيمانٌ محض. لكن لا بأس، ليس المقام مقام النقد والتنقيب.
بالنسبة للفظ حريّة في اللغة، فله مدلول يختلف كلّ الاختلاف عن الاستخدام الذي تقصدينه (وهو استخدام اللفظ المترجم من لغة العجم). فهو في اللغة يعني تقريبًا الشيء السامي الرفيع، ومنه يُقال للشعر الحسن شعر حُر. ويمكن أن نُصحح كلامكي فنقول:
والله أعلم.