لستُ هنا لأكتبَ منشورًا دينيًا عن فوائد صلاة الجماعة، والصلاة في بيت من بيوتات الله الذي أمر أن يُرفع فيها اسمه، ولن أتحدَّث عن أثر التقوى على حياتي، فقد يتكلَّم شيطان الغرور على لساني. أنا اليوم أتكلّم عن تفصيلة أخرى قد تهم الكثير من الناس هنا.

أتحدّث عن أهمية الصلاة في المسجد لاكتساب الحسِّ الاجتماعي.

أولم أخبركم؟ أنا فيَّ عرقٌ من التوحّد. لا أتبلَّه في المواقف الاجتماعية، أعرف كيف أتصرَّف وأتكلم حين يجدُّ الجد. لكنِّي أقلُّ مخلوقات هذه الأرض خروجًا من بيتي لغير أمر رسمي.

وإيه، بلغتُ من العمر 22 سنة وأنا لم أكن قبل ذلك في مسجد قط، إلّا مرّات تعدُّ على الأصابع في المناسبات حين يجرُّني بعض الأصدقاء. مرَّة في 2009 ذهبتُ لمسجد من المساجد أتعلَّم القرآن وتجويده، ثمَّ أنفجرت سيارة مفخخة كانت قد استهدفَت كنيسة بجوار الجامع، كان يومًا مشؤومًا استهدف الكنائس في المدينة، وشهدتُ فيه اشلاءً تتطاير لأوَّل مرّة. لا أعلمُ إرهابيين أغبياء كالذين عندنا في بغداد ذلك الزمان، ألم تعلموا أنَّكم حين تستهدفون النصارى، أن تتأكدوا من خلوا المنطقة من المسلمين في البداية؟ إيه أمزح! لا تستهدف أيِّ إنسان، لا تكن مجرمًا!

المهم، أظنُّ هذه الحادثة هي ما جعلتني أخشى دخول المساجد.

في الفترة الأخيرة غيَّرت هذه الطباع، أو بالأحرى هداني الله لتغييرها، فقدم عندنا ضيف اصطحبني إلى الجامع لنصلِّي معا، جامع يبعد عن بيتنا 60 متر، ولم أدخله منذ 2013!

أثناء تلك الصلاة، أحسستُ بجفائي، وقرّرتُ أن أصلِّي في ذلك الجامع على الدوام.

ومنذ ذلك اليوم ما فرّطتُ بصلاة الظهرين والمغرب والعشاء في ذلك الجامع، لا أظنّهم يقيمون صلاة الفجر ولم أتحقّق بعد، على العموم أخشى من كلب يعضّني حين أخرج فجرًا.

أقل توحدًا وعزلة.

بالنسبة لي املك أصدقاء، ويدعوني دائمًا إلى مناسبات وخروجات، لكنِّي مشهور عندهم أنِّي ألبّي واحدة من كل 10، وهذه النسبة زادت عندما كنتُ أتردّد على الجامع أكثر.

عندما تذهب للجامع، مرّتين إلى أربع مرّات في اليوم، فأنتَ تخرج من البيت، وتتعرَّض إلى جُرعة مُسيطر عليها من التعامل مع الواقع.

هذه الجرعة المسيطر عليها مفيدة جدًا، فهي تُشعر عقل من تعوَّد على البقاء في المنزل، أنّ الحياة في الخارج امتداد للبيت، وليست تغييرًا جذريًا عنه.

تتعوَّد شيئًا فشيئًا أن تضمّ مساحات أخرى إلى منطقة راحتك، بدلًا من المنزل فقط، فالطريق إلى المسجد، والمسجد نفسه.

ثمَّ بعد ذلك أنت في المسجد محاط بأناس يقيمون نفس الطقس العبادي، هذه جُرعة مُسيطر عليها من التعاملات الاجتماعية. فهي تنحصر بـ "تقبّل الله" وبعض العبارات المشابهة، وليس هناك ضغط كبير لتكون مبدعًا اجتماعيًا في تلك المواقف، ستسير كيفما يسير الناس.

أنت تتعرَّض لهذه الجُرع يوميًا من التعاملات الاجتماعية + التعامل مع الواقع، وهذا يجعل العقل الذي يميل للعزلة أقلُّ ميلًا لها، وأكثر تشجعًا للقفز على الفرصة التالية التي تظهر أمامه.