كما تقول الجزيره..وراء كل صوره حكايه..او دعونا نقول وراء كل مشكله مأساه قديمه..

الجميع ينسى أيام طفولته..لكن البعض يتذكر بعض اللحظات...لحظات جميله والاخرى تعيسه..

اتذكر احدى اللحظات الرائعه ..كيف كانت أمي تذهب بي الي روضة الاطفال...كنا نمر كل صباح امام احدى السفارات العربيه...هنا نُحت بقلبي وعقلي وروحي هذا المشهد...ضابط حراسه يؤشر لي بأصابعه وهو يبتسم ..ابتسامته تبعث الراحه والامان في جو صافاً وهدوء مطمئن...

بالنسبه لطفل كانت ملابسه اكثر ما يشدني اليه..ملابسه غريبه..يحمل سلاحه ذهابا وأيابا... طُبع هذا المشهد بقلبي الي يومنا هذا...

الصف الرابع ابتدائي..انتقلت من مدرسه خاصه الي مدرسه حكوميه...لقد كانت غريبه حقا...الملصقات المقطعه..والجدران المشوهه..والاثاث المكسر.. والروائح العفنه والوجوه البائسه...

كانت المدرسه مليئه بالمدرسين جميعهم من الرجال...يظهر من وجوههم وخطواتهم القسوه والصلابه..

الجميع هنا لا يرحم...ما هذا المكان الذي انا فيه!!!!!.....

لا اذكر يوما كنت أتئتء بالكلام او اشعر بالخوف الى ان أتي ذلك اليوم...انه استاذ (او تمساح) القرءان والاسلاميه...اشد الاساتذه قسوهً وبطشاً ...

ما أن نسمع أنهُ آتً حتى نصبح كالاصنام ..يدخل ويضع حقيبته على الطاوله..ويخرج العصى المفضله لديه..

وتبداء الحصه..

في احد الحصص..يأمر الاستاذ الطلاب بقراءة القرءان من الكتاب...وكان يختارهم عشوائياً...كان يتجول في الفصل كتمساح. تمساح يمشي بهدوء بين المقاعد والجميع مرعوب منه..يختار هذا ثم ذاك...يمر من جوارك ولا يختارك ..كأنه يعذبنا نفسياً بأقترابه منا وعدم اختياره لنا!!..

لا اعلم ماذا حدث لي...لكن كنت اخاف جدا جدا منه...منظره ليس مخيف فقط..بل اسلوبه مرعب اكثر...فكم ضربني انا والطلاب بالعصى..انه لا يرحم ابدا..انه يستمتع بضربنا...

أنه فيلم رعب مخيف يعشيه اطفال بدل ان يكون للكبار فقط...

كلما ابتعد عني شعرت بالراحه وكلما اقترب شعرت بالخوف..يستمر بالاقتراب مني اكثر واكثر حتي اصبح خلفي تماما...وضع يده على كتفي..وقال بصوت خافت.."اقراء"...

هنا انها اللحظه التي ستغير حياتي الي الابد!..

تسارعت نبضات قلبي بشكل مخيف..وبالكاد استطيع التنفس وجسدي يتعرق...اكافح جاهدا لأخذ بعض الهواء..يداي وقدماي ترتجف من الخوف..ما ان التقط بعض الهواء وابدا بالقراءه ..أعلق بأول كلمه!...لا استطيع نطقها...احاول نطقها لكن شفتاي ترتجف وتنفسي غير منتظم...فلا اعلم اخذ شهيق ام زفير..رأتاي فارغه من الهواء..

اني لا اخذ نفساً كافياً..قلبي ينبض بقوه اكبر...سأختنق...سأختنق..أني اختنق!.

اخذت نفس صغير غير كاف ً ابداً لملىء رأتاي

احاول قراءة الكلمات ورأتاي فارغه من الهواء

اقراء كلمه او ثلاث كلمات بعد جهد وتعب كبير جدا..

تتردد كلمات بنفسي..

متي سأنتهي...متي سأنتهي..

هل حقا سأقراء اربعة اسطر!....

أءمرني بالتوقف..

يكفي ..

لا استطيع التحمل اكثر ...

هيا قل توقف...

تجاهل التمساح وضعي وانتظر حتي انتهي من القراءه...بالكاد انهيت ثلاثه اسطر..

هنا اسمع صوت قريب من أذناي يقول لي "حسبُك"...

منذ ذلك اليوم زرع هذا الخوف بي..واستمر وكبر معي الي يومنا هذا...

اصبحت اُتئتء بالكلام بأغلب الاوقات...تئتئه خفيفه لا تستحق التعجب..لكنها تخرج عن السيطره في بعض المواقف وتكون محرجه جدا...

الشيء المحزن الذي اتذكره وأتسائل كيف قمت به؟؟ هو ذهابي للمدرسه وانا اعرف اني سأضرب ضرب مبرح!..

ما أن ندخل المدرسه حتي نساق كالاغنام...

فتبداء الحصص...ويبداء العذاب...استاذ يضرب باليد..واخر يضرب على الاصابع...والبعض يضرب على الاقدام...والاكثر غرابه استاذ يستمتع بشد الأذن بقوه حتي يسمع صوت الفرقعه!!!....

بعد كل ذلك..أصبحت لا احب الاختلاط مع من لا اعرفهم واتجنب الاماكن المكتضه..لقد اصبحت انطوائي قليلاً....وحدتي جعلتني اشتري بعض كتب..كتب فيزياء والهندسه والفلك..واقوم ببعض الاختراعات وافكر بأمور الفلك وهندسة الطائرات..واشاهد البرامج الوثائقيه...حتى تفوقت على الكبار ببعض الاعمال والافكار...

وهنا اتذكر جيدا لحظات مدح الاخرين لي عندما كنت صغيراً...البعض يقول موهوب..والبعض يقول ذكي..والبعض يقول شيطان..