في السنوات الأخيرة، راجت كثيرًا نصائح من نوع:

“تخطَّ… تجاوز… انسَ وابدأ من جديد.”

لكن حين نتأمل النفس البشرية بعمق، يظهر سؤال مشروع:

هل الإنسان قادر فعلًا على أن “يتخطى” الأزمات النفسية؟

هل يستطيع أن يطوي صفحات الألم كأن شيئًا لم يحدث؟

الألم النفسي، على خلاف ما يُظن، أكثر فتكًا من الألم الجسدي، وغالبًا ما يكون السبب الجذري وراء أمراض واضطرابات بدنية يصعب تفسيرها طبيًا.

الخيانة، الفقد، الفراق، الخذلان… ليست مواقف عابرة، بل تجارب تُعيد تشكيل الشخص من الداخل.

من الناحية الواقعية، ما يحدث غالبًا ليس “تخطيًا” بل “تعايشًا”.

الإنسان لا ينسى تمامًا، بل يتعلم كيف يعيش رغم الألم،

كيف يتأقلم مع الذاكرة، لا كيف يمحوها.

ولعل في قصص الأنبياء عبرة:

نبي الله يعقوب لم “يتخطَّ” فقد يوسف، (عليهم السلام )بل أثّر فيه ذلك الحزن حتى أفقده بصره ،حطم ذلك الفراق جسده وحواسه .

وفي الحياة العادية، كم من كبار السن يتحدثون عن أمهاتهم أو آبائهم بدموع حارة كأن الفقد وقع بالأمس؟

والأم التي فقدت ولدها لا تعود قادرة على تذوّق لذّة الحياة كما كانت، فذلك الفقد يترك في قلبها فراغًا لا يملؤه شيء، ووجعًا لا يبرأ مهما مرّ الزمان. تبتسم، تمارس يومها، لكنها من الداخل تعيش على ذكرى لا تغيب، وتقاوم حياة لم تخترها.

المشكلات النفسية العميقة لا تُمحى، بل تترك آثارًا:

من تعرض للخيانة قد يعاني من ضعف في الثقة.

من عاش الفقد، ربما يفقد شعوره بالأمان.

من ذاق الخذلان، قد يصبح أكثر تحفظًا أو جفاءً دون قصد.

هذه التغيرات ليست ضعفًا، بل نتائج طبيعية لتجارب قاسية.

الإنسان لا يختار أن يتغيّر بهذا الشكل، بل يدفع أليه دفعا.