السفر… حين يفتح العقل ويهذّب الفهم

يقول الإمام الشافعي:

سافرْ فَفي الأسفارِ خَمسُ فوائِدٍ … تَفَرُّجُ هَمٍّ واكتِسابُ مَعاشِ

وَعِلمٌ وآدابٌ وصُحبَةُ ماجِدِ

السفر ليس مجرد انتقال من مكان لآخر، بل انتقالٌ من رؤية ضيقة إلى أفق أوسع. البيئة المختلفة تجعلك تُدرك أنك لست مركز الكون، وأن وطنك ليس “أجمل الأوطان” بالضرورة، وأن أفكارك ليست النموذج الكامل الذي كنت تتصوره.

في الهند، أدركت كيف ينشأ سوء التفاهم بين الشعوب. السر بسيط: اسأل.

لا تفترض. لا تُصدر حكمك من أول نظرة. فالنتائج التي نصلها من تلقاء أنفسنا قد تكون خاطئة… بل كارثية.

لفت انتباهي كثرة المعابد وتعدد الآلهة هناك. رأيت الناس يقدمون الطعام للآلهة، فسألت المرشد بلهجة فيها شيء من الاستغراب: “هل الإله يحتاج طعامًا؟”

ابتسم بأدب، لكن نبرة صوته قالت الكثير. شرح لي حكمة قديمة: أن بعض البشر—مهما اشتدت حاجتهم—لا يسألون أحدًا طعامًا كي لا يشعروا بالدونية. لذلك يضعون الطعام في المعبد بلا صاحب… ليأكل منه المحتاج دون منّة أو إيذاء معنوي.

وتذكرت حادثة لولا أنها انتهت بسؤال لكانت تحولت إلى سوء فهم خطير.

كان جارٌ لنا في العمارة—هنديّ الجنسية—يرى أننا في رمضان نجتمع في سطح العمارة لنتناول الإفطار ونصلي الجماعة. وضع الإمام يومًا كرسيًا أمامه حتى لا يمر أحد فيقطع صلاته. جاء الرجل أثناء الصلاة، وشاهد المشهد ..

بعد انتهائنا، ذهبت إليه فوجدته في حيرة شديدة. سألني:

“هل أنتم… تعبدون الكرسي؟”

تخيّل! ما رآه بأمّ عينه دفعه لاعتقاد غريب لأنه لم يسأل.

شرحت له، فضحكنا، لكنني أدركت يومها أن الأمم قد تَسُوء ظنونها ببعضها بسبب لقطة واحدة تُفهم خطأ.

الخلاصة:

السفر لا يفتح الأبواب الجديدة فقط، بل يفتح العقول.

ومن لا يسأل… يضلّ الطريق.

  • ما أكثر سوء فهم شاهدته أو مررت به بسبب اختلاف ثقافي؟
  • هل تعتقد أن السفر ضرورة لفهم الشعوب، أم يمكن تحقيق ذلك بالقراءة وحدها؟
  • كيف نتجنب إصدار الأحكام السريعة على ثقافات لا نعرف عنها الكثير؟
  • هل سبق أن ظنّ أحدٌ عنك شيئًا خاطئًا بسبب مشهد ناقص أو معلومة مبتورة؟