كنت طفلا بريئا، لكن شاشة التلفاز زرعت في عيني فكرة أن جسد المرأة مشهد مفتوح للعرض.

"بينما كنتُ أستقل إحدى وسائل المواصلات العامة، عائدًا من المدرسة الثانوية.

لاحظت شابين، أحدهما في الابتدائية، والآخر في الإعدادية.

كانوا ينظرون إلى فتاة واقفة ويتهامسون بكلمات جنسية قبيحة عن جسدها. 

لم أستغرب سلوكهما، فما عيناهما إلا مرآة لأعين الكثير من جيلنا، حيث تعلمنا أن ننظر إلى المرأة كجسد فقط، قبل أن نعرف أنها إنسان.

ولقد كان لدي تجربة شاملة في هذا الموضوع، سأحكي لكم جزءًا منها.

منذ الطفولة وطيلة حياتي، كان منزلي يعج بضوضاء التلفاز الذي يعرض أفلام الأبيض والأسود التي يحبها والداي.

فكلما كنت أنظر إلى التلفاز، أجد فتاة ترقص بثياب تكشف أكثر مما تخفي.

بالإضافة إلى أفلام الممثل "جاكي شان" والتي كانت تُعرض في نهاية الأسبوع، 

وغالبا ما كانت هناك لقطة فجة تكشف جسد فتاة بالكامل تتكرر في أغلب تلك الأفلام.

وعندما كنت في السادسة، كانت هذه الفترة هي ذروة شهرة المصارعة الحرة، فكنا نشاهدها بكثرة. 

فكانت هناك المصارعة النسائية، والتي ترتدي فيها الفتيات ملابس تشبه "البيكيني المكون من قطعتين".

وكانت الكارثة في لعبة شائعة جدًا على الكمبيوتر في طفولتي، حتى إنني كنت ألعبها مع باقي الأطفال في التجمعات العائلية من وراء آبائنا وأمهاتنا.

هذه اللعبة تظهر فيها صورة لفتاة حقيقية تبدأ بخلع ملابسها تدريجيًا كلما جمعت زجاجات كحول تسقط من أعلى الشاشة، حتى تنتهي بخلعها بالكامل.

وتكررت هذه المشاهد: كوميدية أو رياضية أو طبيعية، فتعودت عيناي أن ترى الفتاة جسدا فقط دون وعي بمفهوم احترام الفتيات.

وبقيت على هذا الحال حتي سن الثامنة عشرة، حين بدأت أدرك أن هناك مفهومًا اسمه "غض البصر."

ولكن كان هناك صراع داخلي. فلماذا أغض بصري في الشارع، وأعود إلى المنزل فأشاهد أفلامًا بها ممثلات شبه عاريات؟

لذلك، تغاضيت عن هذه الفكرة، فأغلب المجتمع يشاهد الأفلام وينظر إلى الفتيات كجسد فقط، فلماذا أكون مختلفًا؟

لكن التغير الحقيقي كان في سن الحادية والعشرين فقط، حين بدأت أدرك كم أن هذا خاطئ ومحرم.

قال الله تعالى:

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ

فبدأت أغض بصري بقدر استطاعتي، وحتى أني توقفت عن مشاهدة هذه الأفلام لما شعرت من عدم قيمة فيها.

كما أني كنت أظن أن النظر إلى الفتيات في الشوارع لا يضر أحدًا،

لكن لم أكن أدرك كم أن الكثير من الفتيات أصبحن يخفن من الخروج إلى الشارع بسبب هذه النظرات والتحرشات.

وتذكرت حديث النبي ﷺ:

لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّعَ مسلمًا.

وهذه كانت تجربتي، ولا أحاول أن أُعممها، فقد يرى البعض أن الأفلام والمسلسلات والألعاب لا علاقة لها بتسليع المرأة. 

لكن بالنسبة لي، لو أطلقتُ بصري في الأفلام، سأطلقه في الواقع، والعكس بالعكس.

وعندما أقرأ هذه المنشورات لفتيات على وسائل التواصل المختلفة، تتحدث عن مضايقات تتعرض لها من أطفال صغار لم يبلغوا حتى،

أدرك أنه، ربما لو اختلفت بعض الظروف قليلًا، لكنتُ واحدًا من هؤلاء الأطفال الذين يتحرشون بالفتيات.

فنحن لا نولد متحرشين بل يُعاد تشكيل وعينا منذ الطفولة، 

وحين نصحو، نحتاج إلى مجهود كبير وشجاعة لإصلاحه.

لذلك، حين أرى اليوم أطفالاً مثل أولئك الفتيان في المواصلات،

أعرف أن عيونهم تشاهد ما هو أقذر بعشرات المرات على منصات السوشيال ميديا مثل "تيك توك"، "انستغرام."

والسؤال: أي عيون نصنع لهم؟