الوصول

في إحدى ليالي خريف ٢٠٢٤م، بعد منتصف الليل،

سمعت والدتي صوتًا قويًا يشبه الاصطدام صادرًا من الحمام، فذهبت لتنظر إلى مصدر الصوت، فلم تجد شيئًا غريبًا سوى انقلاب غطاء بالوعة الصرف.

فظنت أن أحدًا نسي أن يعيده إلى مكانه.

لكنها لم تكن تعلم أنه أصبح بالداخل، وعيناه تراقبان من الظلام في صمت.

البداية

الأيام ١ - ٧

نظرت إلى شرفة الحمام، فإذا بنبضات قلبي ترتفع وتنقبض معدتي، حيث رأيت شيئًا يشبه الفضلات الصغيرة على الجزء الداخلي من الشرفة.

فأخبرت الجميع في المنزل بأنه ربما يوجد فأر.

وهنا أخبرتنا والدتي بحادثة البالوعة التي ذكرتها في البداية.

وكانت والدتي لا تحب كلمة "فأر" وتعتبرها فألًا سيئًا، لذلك أطلقتُ عليه اسم "زعتر".

وعلى الرغم من توترنا جميعًا، كنا نحاول إقناع أنفسنا بأنه ربما يكون شيئًا آخر، فنحن لم نره بعد، ولماذا لا توجد فضلات إلا على الشرفة فقط؟

الأيام ٨ - ١٤

لقد تكرر نفس الشيء، ووجدت فضلات على شرفة الحمام. فتأكدنا من وجود فأر.

وكان والداي يرفضان استخدام السم، خوفًا من أن يموت الفأر في مكان لا نعلمه ويسبب رائحة كريهة.

فأحضرنا مصيدتين (الصندوق، واللاصق)، ووضعناهما بالقرب من مدخل الحمام، وظللنا ننتظر.

الظهور

الأيام ١٥ - ٢١

بينما كنت ذاهبًا إلى الحمام، وقبل أن أُشعل الضوء، رأيته واقفًا على الطرف الداخلي للشرفة أمام السلك المعدني.

كنتُ أراه، بمساعدة ضوءٍ خافتٍ قادمٍ من خارج الحمام.

كان حجمه متوسطًا، واقفًا على قدميه الخلفيتين كما يقف البشر، ويضع يديه الأماميتين على السلك المعدني.

بقيت واقفًا، فسمعت صوتًا لفئران صادرًا من "المانور"، وكان يصدر زعتر صوتًا كأنه يتحدث معهم.

فهمت لماذا كانت فضلاته في هذا المكان فقط، فكما يطلق البشر على الحمام اسم "بيت الراحة"،

فقد كان الفأر يشعر بالراحة في هذا المكان الوحيد الذي يقربه من أصحابه وعائلته.

وتذكرت قول الله عز وجل:

"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ."

وبمجرد محاولتي إحضار شيء لضربه، اختفى بسرعة من أمام الشرفة.

وفي الأيام التالية، كان وجوده يتراوح بين الحمام والمطبخ فقط.

المعركة الأولى... خطأ كارثي!

اليوم الثاني والعشرون، الثانية بعد منتصف الليل

كان واقفًا على شرفة الحمام ولم يتحرك بعد فتح الإضاءة، ورأيته بوضوح لأول مرة.

كان لونه رماديًا داكنًا، وحجمه أكبر من المتوسط.

أغلقت باب الحمام من الخارج، وقلت لأخي الأكبر أن نضربه،

لكنه قال: لا تفعل، فحتى الآن هو يتحرك بين الحمام والمطبخ فقط، ولكن لا نضمن ردة فعله إذا حاولنا ضربه وفشلنا.

لكني لم أستمع له.

دخلت منفردًا، أغلقت الباب جيدًا، تسارعت نبضات قلبي، وتصبب العرق من جبيني.

بدأت أحرك الأشياء، وكلما يجري، أقوم بضربه، فيصدر أنينًا يشبه بكاء الأطفال، ثم يختبئ خلف شيء آخر.

أسكب عليه ماء ليخرج، فأضربه، فيختبئ مجددًا، وهكذا. 

لم يستسلم، حتى دخل إلى فتحة سفلية في الغسالة واختبأ داخلها. ولم يخرج مهما فعلنا، فلقد أصبح الآن في وضع "صراع من أجل البقاء".

وكانت هذه لحظة انتصار زعتر في المعركة الأولى بيننا.

اليوم الثالث والعشرون، السادسة صباحًا

رأيت زعتر يجري خارجًا من الحمام باتجاه المطبخ، ليعلن أنه ما زال حيًا.

التحول

الأيام ٢٤ - ٢٩

لم يعد زعتر كما كان.

كما قال أخي: لقد أصبح أكثر وحشية، يتحرك بحرية في المنزل، ويختبئ في أي غرفة.

لكن الصدمة الأكبر أنه لم يدخل الحمام مرة أخرى أبدًا!

لقد حولت، بحماقتي، بيت راحته، والمكان الوحيد لتواصله مع فصيلته، إلى مكان كاد يموت فيه.

المعركة الثانية... صراع ليلي

اليوم الثلاثون

قالت والدتي إنها تسمع صوتًا غريبًا يشبه القرقضة القوية صادرًا من المطبخ كل ليلة،

لكننا لم نكن نعرف ما الذي يخطط له زعتر بالضبط.

اليوم الثاني والثلاثون، الثانية عشرة منتصف الليل

دخل زعتر إلى غرفة والداي، فأغلقنا الباب باستثناء فتحة صغيرة، ووضعنا المصائد كلها أمام الباب وظللنا ننتظر.

الواحدة بعد منتصف الليل

شاهدت زعتر يتمخطر في المطبخ وكأنه يملكه، بعد أن هرب من الغرفة!

لا أعرف كيف، وبدأنا نشك أنه ربما يوجد فأر آخر.

الثانية والنصف بعد منتصف الليل

كنت أتناول العشاء، وعندما ذهبت لألقي شيئًا، بمجرد أن فتحت صندوق القمامة، وجدته بالداخل يأكل بعض الأكياس!

أغلقت الصندوق بسرعة، وناديت أخي الأكبر لكي نتخلص منه.

أغلقناه بإحكام ونزلنا إلى الشارع مترددين...

تخيل أن ترى شخصين بعد منتصف الليل، يحملون صندوقًا ويحاولون التخلص منه!

لكن كانت المفاجأة...

عندما فتحنا الصندوق عند وصولنا للمكان، وأفرغناه، لم نجد بداخله شيئًا.

عدنا إلى المنزل وأنا لا أعرف كيف هرب... هل كنت أتخيل؟ لا، أنا متأكد أنني رأيته.

تذكرت ما قالته والدتي عن صوت القرقضة.

نعم، لقد وجدتُ حفرة خلفية في صندوق القمامة ليدخل ويخرج كما يشاء! فهرب منها قبل أن نخرج من المنزل.

وكان هذا إعلان انتصار زعتر في المعركة الثانية بيننا.

اليوم الرابع والثلاثون

تخلصنا من صندوق القمامة، واشترينا واحدًا جديدًا بنفس تصميم القديم.

ولكن هيهات، هيهات...

اليوم السابع والثلاثون

عندما حاولت أن أفتح صندوق القمامة الجديد، وجدته لا يعمل.

وإذا بالمفاجأة: قام زعتر بأكل الجزء الخلفي منه بطريقة أسوأ بكثير من الصندوق القديم، ودمره تمامًا، وكأنه يستهزئ بنا.

وقررنا عدم تغيير هذا الصندوق إلا بعد القضاء على زعتر.

ما هذه السهولة؟!

اليوم الأربعون، الساعة السادسة صباحًا

كنت في غرفتي، فإذا بي أسمع طبول الانتصار.

لقد كان الصوت القوي والمميز لإغلاق المصيدة!

قفزت من على السرير، فتحت باب الغرفة بقوة حتى ارتطم بالحائط.

وقد كان قابعًا هناك في المطبخ... زعتر قد وقع في المصيدة.

كان يحاول الخروج كالمجنون، لكن دون فائدة.

وبعد عدة دقائق، سكن في مكانه، معلنًا هزيمته وانتصارنا.

لكن أول ما خطر في بالي في هذه اللحظة قول الله تعالى:

"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ."

نحن لم نستطع الإمساك بزعتر طوال هذه المدة رغم أخذنا بكل الأسباب، لأن الله لم يرد ذلك بعد.

وحين أراد الله ذلك ، وبدون أن نغير شيئًا، دخل زعتر بنفسه إلى المصيدة بكل سهولة.

الرحيل

أخذت الصندوق، وذهبت به إلى منطقة تجميع القمامة، وألقيته هناك دون قتله.

فربما يتعرف على زعتورة، وينجبون زعاتير صغيرة تنشر الوباء في باقي أرجاء الكوكب!

الخاتمة

الأيام ٤١ - ٤٥

تخلصنا من صندوق القمامة الجديد، واشترينا واحدًا أخر.

وقمنا بوضع حجر على غطاء البالوعة في الحمام، لمنع دخول أي زعتر مستقبلي.

لكن بقينا طوال هذه الأيام ننتفض كلما سمعنا صوتًا، خوفًا من وجود زعتر آخر.

ولكن... لم يكن هناك شيء، والحمد لله.

-------------------------------------------------------

حاولت تجريب طريقة سرد مختلفة قليلًا في هذه المساهمة، لكن لا أعرف هل هي جيدة أم لا؟ لذلك أحتاج منكم أن تخبروني بأي ملاحظات سلبية أو إيجابية لديكم.