في أعماق ذكرياتنا الطفولية، تترسخ جروح لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تصنع شخصيتنا وتوجه سلوكنا مدى الحياة....
كنت في نقاش مع إحدى الصديقات حول موضوع الضرب و الاساءات النفسية في الطفولة وتأثيرها على شخصية الفرد ، فإذا بها تسترجع ذكرياتها في الطفولة، وقالت لي الجملة الشهيرة التي ترددها بعض الأمهات المؤيدات للضرب كوسيلة تربوية
"الضرب كان يطلع أجيال متربية، والإساءات النفسية والانتقاد السلبي كان يشجعنا، وبسببه طورنا من نفسنا و كان حافز لينا اننا نتغير ، والحمد لله درسنا ونجحنا .... كلنا انضربنا و تعايرنا وين آثار الضرب !؟ الحمد لله، رانا لاباس، ما طارتلنا لا يد ولا رجل !"
طبعًا، ضحكت، لأن هذا الكلام أسمعه في كل مكان، سواء في مجالس النساء أو اللقاءات والمناسبات العائلية. فابتسمت و قلت لها انه بعيدًا عن الاضطرابات النفسية الخطيرة التي ظهرت لدى بعض الحالات التي تعاملت معها، وكان تأثير الضرب واضحًا عليها بشكل كبير، هناك أيضًا حالات تعاني من آثار الاساءات النفسية و الضرب دون وعي منها بالسبب الحقيقي وراءها . فليس شرطًا أن يكون التأثير واضحًا، وقد يظهر في سلوكيات يراها الشخص طبيعية، لكنها في الحقيقة ناتجة عن إساءة أو تعنيف تعرض له في مرحلة ما من حياته ، هل خطر ببالك أن الشخص الذي يضحك وهو يضع يده على فمه قد يكون تعرض للتنمر بسبب أسنانه؟ بالطبع هذا السلوك سيراه هو أمرًا طبيعيًا ولن يركز عليه أو ينظر إليه كأنه عادة طبيعية ، فقاطعتني قائلة هل تصدقي؟ والله إنك صادقة، وكلامك صحيح! في طفولتي كان دائما صوتي عالي و رقيق و كانت عائلتي و اخوتي و حتى اصدقائي ينادونني بـ 'المعزة'، والان و انا في الثلاثينيات من عمري وللآن انا لا أرفع صوتي أبدًا، كل من أتكلم معهم يطلبون مني رفع صوتي وإعادة ما قلته.
الإساءات التي نتعرض لها في الطفولة تترك أثرًا غير واعٍ على سلوكياتنا حتى بعد أن نكبر ، و التأثير العاطفي والنفسي قد لا يكون واضحًا فورًا، لكنه يتراكم على المدى الطويل ويشكل طريقة تعامل الشخص مع العالم ومع نفسه.
التعليقات