مرّت سنة على رحيلها، وما زلت عاجزًا عن تحديد ما أشعر به. أشتاق لها، نعم، وأحيانًا أفتقدها كما يُفتقد الأكسجين في رئة مُنهكة، لكن في لحظاتٍ أخرى، لا أشعر بشيء. كأنها غادرتني وأخذت معها كل ما كنا عليه، وتركتني نصف إنسان، يتأرجح بين الماضي والحاضر، بين الحب والغضب، بين الندم واللامبالاة.
كنا نقيضين، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لم نكن نختلف فقط، بل كنا ننتمي إلى عالمين متعاكسين. هي من معتقد، وأنا من آخر. تفكيرها لا يشبه تفكيري. قيمها ليست كقيمي. ومع ذلك، أحببتها… لا أعلم كيف. وكأن قلبي تعمد أن يختار المستحيل، وكأن داخلي أراد أن يختبر الحب في أقصى أشكاله قسوة وتحديًا.
كانت جميلة، بل بشكل لا يُصدّق. جمالها لم يكن فقط في ملامح وجهها، بل في طريقة نظراتها، في صوتها، في حضورها الطاغي. جمالها كان قادرًا على إخماد كل صوت منطقي بداخلي. كنت أراها وأنسى كل شيء—أين أنا، من أنا، وما الذي أؤمن به. لكن الحقيقة التي لم أرها إلا متأخرًا، أن ذلك الجمال كان قناعًا. كان ستارًا يُغطي على وحش بداخلها… وحش لا يرى إلا ذاته، لا يعرف سوى السيطرة، ولا يفهم الحب كما كنت أرجوه. جمالها أعمى قلبي عن حدّتها، عن قسوتها حين تغضب، عن أنانيتها التي كانت تلتهمني ببطء.
دامت علاقتنا سنتين. سنتين من التناقض، من الحيرة، من محاولات الفهم والاحتواء، من الانجذاب رغم التباعد، ومن الحب رغم كل ما كان يجب أن يفرقنا. كنا نكذب على أنفسنا أحيانًا ونقول إن الحب وحده يكفي. لكنه لم يكن كافيًا. لا حين تتصادم الأرواح على مستوى أعمق من العاطفة. ولا حين يُكسر شيء بداخلك بسبب لحظة ضعف… لحظة غضبٍ مني، لم أقصد فيها إيذاءها، لكني فعلت. وذاك الفعل، مهما كان غير مقصود، أنهى كل شيء.
منذ رحيلها وأنا لا أجد نفسي. كل من حولي يقول إن الفراق كان حتميًا، وإننا لم نكن نصلح لبعض. وأنا أعرف ذلك. أعلم أن التناقض كان واضحًا منذ البداية. لكن ما لا يفهمه أحد… أنني لم أحب أحدًا كما أحببتها. لم أنجذب لامرأة كما انجذبت لها، رغم كل ما كانت تُخالفني فيه. وربما لهذا السبب، كان ألم الفراق أعظم، لأنني فقدت جزءًا من ذاتي كنت قد علّقته فيها.
أسأل نفسي كثيرًا: هل كنت أُحبها حقًا؟ أم كنت أبحث فيها عن ما ينقصني؟ هل كنت مأخوذًا بجمالها لدرجة أنني تجاهلت كل إشارات الخطر؟ وهل الحب يُبنى على الانبهار أم على الانسجام؟
الآن، لا أدري ما أشعر به. أشتاقها، ولا أريدها. أذكرها، وأكره ذكراها. أحيانًا ألوم نفسي، وأحيانًا أقول إن القدر اختار لنا الفراق لأننا ببساطة لا ننتمي لبعض.
لكن الحقيقة التي لا أستطيع إنكارها… هي أنني أحببتها، بصدق، رغم كل شيء.
وأني إلى اليوم… لم أُشفَ منها تمامًا،
التعليقات