مقلتان مفجوعتان بدموعٍ كادت تأخذ اللّون القرمزي من نار البكاء، مسامات خدّان تحوي قطرات دم ثائرة كبراكين نشطة مصغّرة في طريقها إلى الإنفجار، جرحٌ طويل على أنفها الطفولي الّذي لا زالت لم تعي بوجوده، كدمة زرقاء مخضرّة على كفّها الأيمن الّذي لا تحرّكه، تحمله باليد الأخرى علّ بسكونه يُخفّف الألم..

" ضربني!، ضربني!" حروف متقطّعة، صوتٌ متأتأ مرتجف خائفٌ كمثل طفلٍ أجهش بُكاءا بعد أن ضاعت لُعبته المفضلة..

أقوم بدوري من المكتب فزعةً من مظهرها المؤلم : ماذا حدث؟!

بصرخة مبحوحة تردّ: " ضربني!، قتلني بالعصا!"

أدخلتها مباشرة إلى قاعة الأشعة، لم أُعر لها أي إهتمام لسماع ما تقول.. أهملت سماع عنوان حكايتها المثيرة للشفقة..

ثوانٍ مرّت ساعات، كأنّ الزمن استجاب لطلبي له متأخرا فيتوقف للحظات، أمهلني كي أستوعب فيها ما تقول وهو يربّت على كتفي برفق من هول الموقف، أشباحُ مستقبلٍ مجهول تحوم حولي بأفكارٍ مرعبة تردّد جملةً بصدًى مخيف " لا أمان!، لا أمان! " قلقٌ يسري في عروقي من أسئلة ذاتي: هل أنا أرى أمامي الآن إمرأة معنّفة؟ ألم تنعدم هكذا مظاهر في عالمنا الزّاعم أنّه مُتحضّر بتفتحه على الإلتزام بحقوق المرأة... حقوق!!.. أرض الزيتون.. عن أي حقوق تتحدّثين؟ مجاعة، قصف، حرمان، إبادة، أطفال أبرياء قتلى، موتى، بدون رحمة!...

على الشاشة ظهرت صورة إشعاعية لذراع..

صرخت متفائلة:" الحمد للّه، سلامات! سلامات! لا يوجد أي كسر"

لكنّها ردّت بحسرة مؤثّرة:" بصح راهي توجعني، أني نقولك راجلي ضربني بالعصا عليها شحال من خطرة!"

صمتُ و في داخلي ضجيجٌ من مشاعر مبعثرة غضب شفقة، حسرة، قلق، حزن، وأفكارٌ تتصارعُ فيما بينها تبحَث عن تعويذة تفكّ عقدة لساني على الأقلّ كي أواسيها..

خَرجَت من المَكتب كما دخلَت، ولساني أبى أن ينطق حرفاً في صالحِها كأنّي آلة بشريّة تقوم بالعمل الواجب المحدود عليها بالساعات وفقط..

أنا لست بخير، أنا تحت الصّدمة..