ذهبت مؤخرا لتناول الغداء مع صديق لي في بيت عائلة أهله بالريف، أخبرني أن أخيه يشتاق للتعرف عليّ وذلك لانه يتحدث عني وعن مبادراتي المجتمعية باستمرار.

لقد أعطاني فكرة عن أخيه الأكبر منه، قال انه عصامي وكريم ووفي ولكنه قليل ما يخرج خارج الريف لظروف خاصة به. لقد ذهبت بخيالي لأتصور شكل أخيه، اعتقدت انه مريض أو به علة ما ..!

اقتربنا من منزل ريفي جميل وكان من الطراز القديم، لكنه يجذبك لكي تدخله وتتعرف على تفاصيله. وفي الحقيقة ما شدني بقوة أن أخاه تجلس بجانب سيدة أنيقة جدا، يهمس له فتضحك، ثم تبادله الكلمات البسيطة. لقد اقتربنا منه لنسلم عليه. ما ان تقدم مني لمصافحتي حتى لمحت حركة غريبة من تلك السيدة، لقد أيقنت أنها مصابة بالعمى..! نعم إنها لا ترى!

عندما وصلنا الى غرفة الجلوس، ذهلت من البساطة والجمال وأدوات التراث الموزعة بطريقة مثيرة جدا في تلك الغرفة. لقد استأذنا لإحضار زوجته. 

المفاجأة الأخرى أن زوجته مثقفة جدا كانت تتحدث باللغة الإنجليزية والعربية معا، لقد عرفت أنها طبيبة في أمراض الدم، وقد أصيبت في حادث سير قبل عامين، نجم عنه فقدانها للرؤية تماماً.

وفي الطريق إلى الغداء، سمعت عالم الآثار زوج الطبيبة يتمم في أذن زوجته بكلمات فهمت منها أنه ستنزل معنا الى المدينة لتشارك في مؤتمر للطب سيعقد بعد اسبوع، وانها ستنتهز الوقت لزيارة أهلها والجامعة التي تدرس بها!

 الطريقة التي كان يعامل الزوج زوجته، هزتني من أعماقي ولولا خشيتي أن دموع تتحدث بصوت مرتفع لتركتها تنهمر. لقد أيقنت أن عالمنا عبارة عن حلقات عديدة بعضها نعرفه وبعضها نتعرف عليه وما تبقى قد لا نعرفه ابدا ويبقى في فضاء من يعيشون فيها.

نعم حين عدت لبيتي، كنت كلما استعيد الساعات الجميلة التي قضيتها هناك في ريف الوفاء، ابكي وكأنني أبكي لأول مرة. وأنتم ما الذي أباكم آخر مرة، دعونا نتعرف على مشاعركم وتجاربكم التي أبكتكم.؟