ماذا ترى في الشحاذ لتعطيه؟ كيف تحكم على الأمور وتقول هذا سأعطيه، وآخر تشعر بنفور منه؟ كيف تحكم على الأمر؟

كنت جالسة على كورنيش الاسكندرية عندما مر شخص ما ظننته بائع مناديل، ناديته واعطيته ما في حقيبتي من نقدية من أجل أن يعطيني علبة مناديل لافاجأ بعدها بإنه رحل وأنه ليس بائع مناديل، هذا خطأي بالطبع إذ لم اتحقق من كونه شخصًا يبيع المناديل أم انه مجرد شحاذ فقد كان ظهري للطريق ووجهي للبحر ، وقلت لنفسي لا مشكلة المرة القادمة سنأخذ وقتنا في التحقق، وقد قلت سابقًا في مساهمة ما أنني اعطي الاشخاص الذين يبيعون السلع البسيطة أضعاف ثمن السلعة وانا اشتري منهم وتوقفت عن إعطاء الشحاذين الأموال، اشعر أنني اضع طاقتي وجهدي ومالي في مسلك شيطاني وهو التواكل على الآخرين.

الشحاذ وهو يأخذ المال قال لي حرفيًا: ربنا يراضيكي زي ما بتراضي الغلبان! في محاولة للوم الرجل الذي يبعد عني عدة سنتيمترات وجالس هو الآخر على الكورنيش، والذي كان قد رفض اعطاءه المال، كل ذلك وأنا لا اكترث فقد كنت استمتع بمكالمة جماعية مع بعض الأصدقاء ولم أر الرجل مطلقًا.

لم تمض دقيقتين بالضبط، حتى جلس أخينا الشحاذ على بعد عدة أمتار مني، وأخرج السجائر وبدأ يستنشقها واحدة وراء الأخرى، ثم جاء أحد معارفه ليطالبه بنقود ما فسمعت أحط الألفاظ والشتائم بين الرجلين، وتلاعب بالألفاظ والكلمات وكل ذلك وأنا على بعد أمتار.

تذكرت الدعوة التي دعاها لي وهو يأخذ النقود، هل استجيبت حقًا؟ بالطبع لا اقصد التنظير على الرجل فرب أشعث أغبر لو اقسم على الله لأبره! ولكن هل كان يصدق نفسه حينما اطلق كلمة غلبان على نفسه؟ هذا التناقض بين الفعل والايمان، بين الصفة التي يطلقها على نفسه وبين التي حقًا يتصف بها! إنها حقًا لفجوة عميقة! ثم تساءلت أنا عن نفسي، ترى ما هو مقدار فجوتي بين ما اصف به نفسي وبين أفعال؟ اتمنى ألا تكون عميقة جدًا!

لاتساءل بعدها عن كم المرات التي كذبت فيها على نفسي، كم مرة ادعيت أنني بخير ولست كذلك؟ كم مرة قلت كلمات كمجاملة ومن داخلي ارفضها؟ كم مرة ادعيت فيها شيئًا ليس حقيقيًا؟ وكم مرة تهربت من المسؤولية واخترت أن اختلق التبريرات؟، وكم مرة دافعت عن نفسي بهجوم على الآخرين؟، وكم مرة اخترت الخاطئ من أجل تجنب الإحراج؟ كم وكم وكم؟

وأنا الآن اوجه هذا السؤال إليكم:

ما مقدار كذبكم على أنفسكم؟