لطالما أثار هذا الأمر حيرتي واهتمامي لسنوات عديدة – وربما غيظي في بعض الأحيان كذلك – لصعوبة وضع معايير محددة لنجاح مشروع ناشيء.

بداية يجب أن نتفق أن المشاريع لا تنجح بالأماني، أو الرغبات الشخصية، وإنما يتطلب الأمر معادلة معينة واجبة الإتمام، حتى يرى هذا المشروع النور – بداية – ثم يحقق بعض النجاح ثانيًا.

حينما أتطلع إلى تاريخ مشروع أكبر متجر على سطح الأرض – أمازون – تصيبني الكثير من الحيرة. فحينما أعود إلى التوقيت الذي بدأ فيه بيزوس مشروعه، أجد أن الإنترنت بعد طفل وليد، لم يتعلم الحبو حتى يقدم بيزوس على مغامرة الاستقالة من عمل مرموق مستقر، والبدء في مغامرة لا يدري كيف ستكون عواقبها. ليس هذا فحسب، ولكن الصبر عليها أكثر من 7 سنوات حتى يحقق أرباح ملموسة، يمكن تسميتها: أرباح صافية Net Profit.

لو قُدِّرَ لي أن أكون حاضرًا لتلك اللحظات الهامة في تاريخ مشروع كهذا، لاتهمت بيزوس بالحماقة – ما اتهمه به الكثير من أصدقائه – ولكن الواقع يقول أن بيزوس كان رجل ذو رؤية، وكنا نحن الحمقى

حسنًا .. لنتوقف عن التغزل في بيزوس ولنعد إلى سؤالنا: ما هي المعايير التي تجعل من حدسي ناحية مشروع ما، إيجابيًا؟

الأمر لا يخلو من المغامرة والكثير من المخاطرة. ولكن باطلاعي على قصص النجاح المشابهة، رأيت عدة عناصر من الممكن التركيز عليها:

1. خلو الساحة

بيزوس حينما بدأ لم يكن هناك منافس. كان يعزف وحده.

جي كي رولينج هي أول من فكر أن يبني عالمًا خاصًا للسحر، له قوانينه وأسسه وعاداته ولزماته.

تولكين هو أول من فكر في إنشاء عوالم كاملة مستقلة عن عالمنا (كتاب ملك الخواتم هو أكثر المؤلفات البشرية مبيعًا في التاريخ، بعد كتاب قصة مدينتين لتشارلز ديكنز).

من بدأ لم يجد منافسًا، وتحمل عبء الخسارة وحده .. فإذا نجح، كان رائدًا، وإذا فشل، لم يسمع به أحد.

2. أن تكون مرتبطة بشيء سيعتمد عليه الناس كثيرًا في المستقبل

يحتاج الأمر أيضًا إلى قراءة جيدة للمستقبل، وهو أشبه بالعودة إلى موضوع (الحدس). بيزوس حينما بدأ – بيزوس مرة أخرى – اتخذ قراره بناءً على إحصائية نمو قرأها أخبرته أن نسبة استخدام الإنترنت زادت في عام واحد 2800%، فظن أن هذه التقنية سيعتمد الناس عليها كثيرًا في المستقبل، فاتخذ قراره بالبدء.

إديسون أبدع فكرة المصباح الكهربي، بناءً على استنتاجه من أن الكهرباء سيعتمد عليها الناس في شتى جوانب حياتهم مستقبلاً.

أكيو موريتا حينما فكر في اختراع ووكمان سوني (أول جهاز ووكمان Walkman في التاريخ)، كان يرى أن الناس ستشعر بسعادة أكبر حينما يأخذوا موسيقاهم المفضلة معهم أينما ذهبوا.

3. أن يغذي حاجة لدى جمهور لا يدرك حاجته لها

بالعودة – مرة أخيرة – إلى مثال بيزوس، سنجد أن الناس لم تكن تشتكي من شراء الكتب من متاجر الكتب التقليدية Bookstores، ولكن الأمر فعليًا شكل توفيرًا لا بأس به على الإطلاق في الوقت، وكذلك في حمى الشراء التي تصيب البعض في المتاجر، فيشتري أكثر مما يرغب في شرائه بالفعل.

لم يكن المصريين في حاجة إلى الجرائد، حينما أتى بها رفاعة الطهطاوي من فرنسا، ولكنها غاصت في نمط حياتهم، وشكلت وجدانهم وأدبهم وثقافتهم حتى الآن.

كان العالم على قناعة بما وصلت إليه تكنولوجيا الاتصالات السلكية واللاسلكية حينما قرر مارتن كوبر اختراع التليفون المحمول، ولكنه اخترعه على الرغم من سخرية زملائه ومنافسيه من مجهوده، ومن جدوى هذا الاختراع، أو رغبة الناس فيه. المحمول الآن تحول إلى نمط حياة.

إلى هنا توقف عقلي عن العمل (وكلها بالطبع استنتاجات، مبنية على استقراءات)

لذلك دعني أتعلم منك، وأعيد السؤال عليك:

ما الذي يجعل حدسك إيجابيًا بشأن مشروع ما؟