حين استبدلنا في الشركة موظّف الموارد البشرية بمقابلات شخصية تُدار كليًّا عبر الذكاء الاصطناعي، انكشف لنا تفاوت لافت في طبيعة القرارات: فالخوارزمية تنزع بطبيعتها إلى انتقاء "الأفضل" وفق معايير كمية صارمة، كالتمكّن من لغات البرمجة، وسرعة معالجة المشكلات، ونتائج الاختبارات الدقيقة، بينما الإنسان يتجه إلى اختيار "الأصلح"، أي المرشّح الذي قد لا يبلغ الكمال التقني، لكنه يملك قدرة على التكيّف، وذكاءً اجتماعيًا، واستعدادًا للانسجام مع الفريق. ففي حالة وظيفة مطوّر الويب مثلًا، رشّح الذكاء الاصطناعي شخصًا متفوّقًا في الكود لكنه منغلق على ذاته، في حين فضّل الموظف البشري مرشّحًا آخر أقل تفوقًا من الناحية التقنية، لكنه أقدر على التواصل والعمل التعاوني، ما يجعله أنسب على المدى الطويل. وهنا يظل السؤال مفتوحًا للنقاش: أيّهما أعمق دلالة في فهم معنى الكفاءة والجدوى، قرار الآلة الذي يسعى إلى "الأفضلية" أم قرار الإنسان الذي يبحث عن "الصلاحية"؟
ماذا يكشف اختلاف القرارات حين يختار الذكاء الاصطناعي "الأفضل"، ويختار الإنسان "الأصلح"؟
أعتقد ان الموارد البشرية من المجالات التي من الصعب جدا استبدالها بالذكاء الاصطناعي والحصول على نفس النتائج، فموظف الموارد البشرية حين يقبل أو يرفض شخص متقدم لوظيفة لا ينظر اليه كفرد، بل كجزء من الشركة، واذا كان قادر على الانسجام في بيئة العمل مع زملاؤه، خصوصا اذا كان عمله يتطلب التعاون مع مجالات أخرى، وهذا أمر يصعب بعض الشيء على الذكاء الاصطناعي حتى الآن على الأقل
فموظف الموارد البشرية حين يقبل أو يرفض شخص متقدم لوظيفة لا ينظر اليه كفرد، بل كجزء من الشركة،
لكن ماذا يا كريم لو غذينا نموذج الذكاء الاصطناعي مثلا بفيديوهات لموظفي الشركة وهم يتصرفون، وكل شيء يرتبط بالثقافة الداخلية؛ مع خبرته المسبقة بالمناخ التجاري والاقتصادي في البلد فهل سيظل قاصرا أيضا؟
من الممكن ألا يصبح قاصرا حينها، وأتوقع أن الذكاء الاصطناعي سيصبح قادر على محاكاة وفهم المشاعر البشرية المعقدة قريبا جدا، وربما الشيء الوحيد الذي سيوقفه عن التطور هو أن نتوقف نحن عن تغذيته وتدريبه اذا وجدنا أن الأمر يخرج عن سيطرتنا، لكن اذا استمر التطور بنفس الوتيرة الحالية فحتما سيصبح متمكن من أغلب مجالات العمل
الاحترافية في العمل، وخصوصًا في مجال البرمجة عملة نادرة لا تتكرر كثيرًا، ولهذا أرى أن قرار الآلة في كثير من الأحيان بشأن الموظفين الأكثر كفاءة هو الأصلح، خصوصًا إذا كانت حاجة الشركة تتركز في مبرمج محترف بمهارات تقنية عالية دون اشتراطات إضافية. فمهارات التواصل والتعاون رغم أهميتها متوفرة نسبيًا، وسيأتي الكثير ممن يجيدونها ويمكن تأهيلهم بسرعة، أما المحترفون حقًا، ممن يملكون كفاءة برمجية استثنائية، فهم قلائل جدًا، وإذا جاء أحدهم، فغالبًا يستحق أن يُمنح الأولوية لأن الكفاءة التقنية ليست شيئًا يُعوض بسهولة.
فمهارات التواصل والتعاون رغم أهميتها متوفرة نسبيًا، وسيأتي الكثير ممن يجيدونها ويمكن تأهيلهم بسرعة،
لكن ماذا لو استبدل الذكاء الاصطناعي المبرمجين غدا؛ ألم يكن من الضروري توظيف شخص مرن وسريع التعلم بدلا من ذلك المحترف فقط ليساعدنا في تخطي هذه العقبة؟ خصوصا يا بسمة ولنضع هذا في اعتبارنا أن التكنولوجيا لا تتغير خفي سنوات بل بين ليلة وضحاها.
لا يمكن القبول بفكرة أن يُستبدل المبرمجون أو العنصر البشري فقط لأن الذكاء الاصطناعي يتطور، ومهما بلغت قدرات الذكاء الاصطناعي، لا غنى عن المبرمجين، فهم من يصممون هذه الأدوات، وهم من يفهمون كيف تُبنى، وتُوجه. التكنولوجيا لا تعمل وحدها، ولا تفكر ولا تتحمل مسؤولية القرار أو الأخطاء، الإنسان هو من يوجهها ويضبط بوصلتها. المرونة لا تغني عن الكفاءة، ولا تكفي في بيئة العمل التي تحتاج لمهارة عميقة وفهم دقيق للتقنيات، فالتكنولوجيا تتغير بسرعة نعم، ولكن من يستطيع مواكبتها فعلًا؟ ليس الشخص الذي يجيد الكلام عن التغيير، بل من لديه الأساس الصلب ليستوعب الجديد وينفذه.
ومهما بلغت قدرات الذكاء الاصطناعي، لا غنى عن المبرمجين، فهم من يصممون هذه الأدوات،
لكن ماذا لو وصلنا لوقت يبني فيه الذكاء الاصطناعي بنفسه أدواته؟ للأسف المسألة مجرد وقت.
لكن كيف سيبني الذكاء الاصطناعي أدواته بنفسه وهو لا يملك وعيًا أو إرادة حقيقية أصلا؟ كل قدراته مهما تطورت، تظل محصورة داخل حدود ما برمجه الإنسان وسمح له بتعلمه.
الحديث عن استقلاليته التامة في خلق أدواته يبدو مبالغًا فيه، بل ويخفي خلفه تهويل يغفل حقيقة أن الذكاء الاصطناعي في جوهره لا يخرج عن كونه انعكاسًا لما نغذيه به، فالمسألة ليست مجرد وقت، بل تتوقف على قرارات البشر، ومتى وأين يضعون الحدود.
شخصيا أظن أنه قرار الإنسان الذي يعتمد على الصلاحية.
إذ أغلب الوظائف لا تحتاج لشخص متمكن جدا من مجاله بقدر ما تحتاج شخص قابل للتواصل ومرن في التغييرات والنقاشات...
أرى أن الذكاء الاصطناعي مفيد جدًا في تصفية المرشحين من الناحية التقنية لكن لا يمكن أن يحل محل العنصر البشري في تقييم الجوانب الإنسانية مثل الذكاء العاطفي والانسجام مع بيئة العمل وفي النهاية النجاح في أي شركة لا يعتمد فقط على الكود أو الأرقام بل أيضًا على العلاقات والروح الجماعية
لكن لا يمكن أن يحل محل العنصر البشري في تقييم الجوانب الإنسانية
لنضع في اعتبارنا يا مي أننا كبشر أحيانا ننخدع في الجانب الإنساني خصوصا مثلا مع الأشخاص النرجسيين الذين لا تكتشفيهم إلا بعد العمل والتعامل معهم بشكل مباشر؛ لكن مثلا لو قام الذكاء الاصطناعي بتحليل خلفية هذا الشخص فربما يكون التفضيل أفضل بدون خديعة.
برأيي الذكاء الاصطناعي مهما بلغت دقته لا يمكن أن يحل محل البشر لأنه يختار "الأفضل" كما قلت و بمعايير جامدة أيضاً بينما الإنسان يختار "الأصح" برؤية أعمق للجوانب الإنسانية والتعاونية وهذا الاختيار الأصح هو ما يصنع الفارق الحقيقي على المدى البعيد
أيضاً بينما الإنسان يختار "الأصح" برؤية أعمق للجوانب الإنسانية والتعاونية
لكن أليس من المرجح أن يقع الإنسان في العنصرية حتى غير المقصودة كأن يشعر داخليا مثلا أن هذا الشخص مرتاح له عن غيره وبهذا يكون قد اختار الشخص الخطأ؟
أيضا فكرة المثالية أحيانا التي تؤنبنا عندما نختار شخص نقول أنه مناسب للشركة ويؤنبنا ضميرنا لأننا لم نختر الأكفأ فلربما كان يحتاج للوظيفة أكثر من الآخر؟ أو لربما اخترنا الآحخر لأن الأكفأ يمكن أن يُقبل في شركة أفضل لكن هذا يا عيني فرصته أقل؟ وهكذا.
التعليقات