المستثمرين الملائكة لم يعودوا ملائكة كما كانوا من قبل. في السابق، كان المستثمر الملائكي هو الشخص الذي يدخل بسلاسة إلى عالم الشركات الناشئة، ليقدم رأس المال في المراحل الأولى مقابل حصة بسيطة، دون أن يتدخل كثيرًا في التفاصيل اليومية أو القرارات الاستراتيجية. كان دوره محدودًا إلى حد كبير في دعم فكرة المشروع، وتشجيع صاحبه على الاستمرار والنمو. لكن اليوم، الوضع اختلف بشكل كبير، خاصة في السوق العربية. أحد أصدقائي حاول جذب مستثمر ملائكي في شركته الناشئة في مرحلة ما قبل البذرة، لكن سرعان ما اكتشف أن هذه الخطوة كانت أكبر تحدٍ واجهه. بدلًا من أن يكون المستثمر داعمًا ومحفزًا، بدأ يتدخل في كل قرار صغير، ما جعل الابتكار في شركته يتعثر. العديد من المستثمرين الملائكة في المنطقة لا يمتلكون الفهم العميق للسوق المحلية أو التحديات الفريدة التي تواجه الشركات الناشئة العربية. وهم في بعض الأحيان لا يكتفون بتقديم التمويل، بل يريدون أن يمسكوا بزمام الأمور، مما يحد من قدرة رائد الأعمال على اتخاذ القرارات بحرية. كل هذا جعل المستثمرين الملائكة أقل فعالية وأحيانًا أسوأ خيار في المراحل المبكرة من الشركة. إذا كان الخيار الوحيد هو الاعتماد على مستثمر ملائكي، فما الذي يمكن أن تفعله لضمان ألا يؤثر على نجاح شركتك لو كنت في مكان صديقي؟
الاستثمار الملائكي مقبرة الشركات الناشئة في الوطن العربي حتى مرحلة البذرة.
أرى حل المشكلة بسيط نوعاً ما ويكمن في الاشتراط، مثلاً أنا سأخذ من أخي حسين تمويل لمشروعي مقابل ربح مقدر ليس ثابت مع الاشتراط في العقد أن لا يكون لك حق الإدارة أو التدخل، وأنا أطلب منك ذلك بصيغة ليس بها استحقار لرأيك أو تقليل من قيمتك، وبعدها ألتزم أمامك بتقديم تقارير إنجاز وتقارير أداء حتى تكون مطمئن.
مشكلة سوق الاستثمار العربي أن الأمر تجاوز حد الاستثمار لأجل الربح لكن لأجل السلطة حتى لو كانت سلطة على مجرد جماعة من الموظفين، وبعض المستثمرين يحكمهم الخوف وهؤلاء يحبون التدخل خوفاً من ضياع أموالهم بسبب قرار لم يشاركوا به
وبعض المستثمرين يحكمهم الخوف وهؤلاء يحبون التدخل خوفاً من ضياع أموالهم بسبب قرار لم يشاركوا به
المشكلة أن هذا يتم إضافته لقلة خبرة المستثمر وأحيانا رائد الأعمال نفسه وهنا تكمن الكارثة، وبعض رواد الأعمال ربما يقوم بعمل شركة ناشئة بمفهوم مغلوط وهو أنني أريد الحصول على استثمارات في أسرع وقت فهنا يكون التداخل مع أننا دائما نقول بأن الشراكة زواج كاثوليكي فيجب التأني والحذر فيه لكن بِلا فائدة. وبما أن صناديق رأس المال المخاطر أو الاستثمار لا تستثمر في الشركات الجديدة لذلك يسقط رواد الأعمال في يد المستثمرين الملائكة المستقلين.
من المنشورات المهمة التي قرأتها عن موضوع اختيار المستثمر بشكل عام هو أن يكون شخص ناضج استثمارياً؛ معنى ذلك أن يكون هذا الشخص قد اختبر الخسارة والفشل قبل ذلك فنتجت داخله صلابة استثمارية تمكنه من الصمود وعدم الهلع في أي وقت، لأن عالم الاستثمار محفوف بالمخاطر لذلك فهو يتطلب شخص قوي وراسخ وعلى معرفة بأصول الاستثمار وربحه وخسارته.
من الأفضل أن تكون الأمور واضحة من البداية فيما يمثل كيفية التعامل مع الربح والخسارة، وعدم إعطاء وعود بأرباح دون التنبيه والاتفاق على كيفية التعامل مع الخسارة.
من الجيد أن تكون هناك شفافية وتقارير ربع سنوية تلخص المجهودات وأدوات المراقبة التي تعاملت بها الشركة لعرضها على المستثمر، ومن المهم اختيار مستثمر يملك خلفية عن تلك الأمور، وليس داعم مالي فقط، فهذا سيختصر كثير من الوقت والجهد في الشرح.
وعدم إعطاء وعود بأرباح دون التنبيه والاتفاق
آه يا جورج لقد وضعت يدك على الجرح الغائر؛ للأسف في بلادنا العربية يظن كثير من رواد الأعمال أنّ ضرب الأرقام سواء السابقة أو المتوقعة سيشجع المستثمرين في الدخول والاستثمار معهم وهذا يدل على خبرة من المؤكد أنها قليلة؛ لأن المستثمر عندما يقوم بعمل "Due Diligence" أو العناية الواجبة يجد كوارث كبيرة قد تمنعه أساسا من استكمال الاتفاق.
أود أن أقول أن عدم استكمال الاتفاق أفضل من إكماله وظهور كوارث بعد ذلك، فوقع هذا سيكون سيئاً على الطرفين؛ على المستثمر بضياع ماله، وعلى رواد الأعمال بالملاحقة القضائية والديون والسجن.
يعني هي لا تصل في معظم الأحيان للديون والسجن لأن شركات الأموال هي شخصيات اعتبارية لكن الفكرة أن الأمر لن يصل للديون أيضا لأنه ليس فيه أرقام حقيقية يا صديقي، وما أكثر هؤلاء من يبيعون الوهم لسنوات للأسف لأنهم يجدون من يشتري وقد رأينا كثيرا منهم في شارك تانك مصر بالذات الذين يخرجون علينا ويقولون أنهم باعوا بنصف مليار وهكذا.
من الضروري وضع اتفاقيات واضحة تضمن أن المستثمر سيقدم التمويل دون التدخل في القرارات التشغيلية اليومية إلا إذا كان ذلك في مصلحة النمو المستدام. التواصل الجيد مع المستثمر مهم جدا؛ إذا بدأ في التدخل في أمور لا تتعلق باستثماره، يجب أن يكون هناك حوار صريح وواضح يوضح حدود التدخل وكيفية تأثير ذلك على الاستراتيجية العامة للمشروع. من المهم أيضا أن يحتفظ رائد الأعمال بالتحكم الكامل في القرارات الاستراتيجية، حتى في حالة تقديم التمويل، لضمان الابتكار والنمو المستدام. اختيار المستثمر بعناية أيضًا مهم؛ يجب أن يكون المستثمر ذو خبرة في السوق المحلي وله فهم جيد للتحديات الخاصة بالشركات الناشئة في المنطقة. إذا كان الخيار الوحيد هو الاعتماد على مستثمر ملائكي، ينبغي أن يكون المستثمر الذي يقدر قيمة الابتكار ويؤمن بفكرة المشروع، ليكون داعما وليس عائقا.
وأخيرا، من المهم مراجعة عقد الاستثمار بشكل دقيق لضمان تحديد حدود التدخل والتوجيه، بحيث يتم تحديد الأدوار بوضوح وتجنب حدوث أي صدامات في المستقبل.
المشكلة الحقيقية في بعض رواد الأعمال الذي هدفه الحصول على المال ولا شيء غيره، وأظن أن أخبار الشركات الناشئة التي أغلقت جولات بملايين تسيل دائما لعاب رواد الأعمال الغير محترفين فيلهثون فقط من أجل الحصول على الاستثمار دون أي اعتبارات أخرى.
للأسف أصبح الاستثمار هدفا بدل ما يكون وسيلة لبناء مشروع حقيقي يقدم قيمة.
كثير من رواد الأعمال يقفزون على خطوات أساسية مثل التحقق من جدوى الفكرة، بناء منتج فعلي، أو فهم السوق، ويظنون أن النجاح يقاس بجولة تمويل ضخمة.
لكن في النهاية، السوق لا يرحم، والمستثمرون أصبحوا أكثر وعيا، والمشاريع التي لا تملك أساسًا قويا سرعان ما تنهار مهما جمعت من أموال. التركيز على بناء قيمة حقيقية هو ما يصنع الاستدامة، أما المال وحده فهو مجرد وقود، لا يحدد اتجاه الطريق.
المال الذي يخنقك ليس نعمة، بل عبء يؤخر النجاح بدل أن يعجّله. صحيح، لم يعودوا ملائكة كما نتصور بل أصبح بعضهم ملائكة برقابة مشددة.
اليوم خاصة في السوق العربية، كثير من المستثمرين الملائكة يريدون التحكم لا الدعم، وبدل أن يقدموا رأس المال مقابل الثقة، يطالبون بالتدخل مقابل كل دولار.
تقارير مثل MAGNiTT وWamda Capital تتحدث عن ارتفاع عدد المستثمرين الأفراد في المنطقة لكن قلة منهم يملكون الخبرة التشغيلية أو الفهم العميق لمراحل ما قبل البذرة.
إذا كنت مضطرً للتعامل معهم اسمح لى أن أخبرك بخلاصة خبره سنوات:
- وثق كل شيء في اتفاقية مساهمين واضحة
حدد بدقة حدود التدخل، صلاحيات التصويت، وقرارات المؤسس المحمية.
- اطلب تمويل ذكي لا مال فقط:
بحيث تبحث عن مستثمر له خبرة حقيقية في مجال شركتك، لا مجرد رأسمال زائد.
- احتفظ بالسيطرة التأسيسية (Founder's Control):
حتى لو كانت الحصة صغيرة، تأكد من أنك تحتفظ بحق القرار الأساسي على الأقل في أول عامين.
- اختبر نوايا المستثمر قبل التوقيع
تحدث معه عن سيناريوهات افتراضية (تغيير الفريق، تأجيل الإطلاق...) وشاهد كيف يتعامل.
ارتفاع عدد المستثمرين الأفراد في المنطقة لكن قلة منهم يملكون الخبرة التشغيلية أو الفهم العميق لمراحل ما قبل البذرة.
وهذه هي الكارثة يا محمد، مع الوضع في الاعتبار أن بعض رواد الأعمال في بداية مشاريعهم لو استطاعوا إقناع المستثمر الملاك في الاستثمار معهم فإنهم ما زالوا عديمي خبرة أو حتى ذو خبرة قليلة، ويُضاف كل هذا إلى المستثمر عديم الخبرة الباحث عن المال فقط هو الآخر. والفكرة أنه لو كان ذو خبرة بالقطاع الذي تعمل فيه فإنه في الأساس سيطلب أو يتفاوض على استثمار أقل في مقابل حصة أكبر من الشركة على الأغلب بسبب التقييم المغلوط للشركات في البداية.
التعليقات