تخيل للحظة أن تستيقظ غدًا لتذهب إلى مدرستك أو جامعتك، لتكتشف أنه لا يوجد شيء اسمه "الدرجات".

لا 100 من 100، لا جيد جدًا، لا امتياز، لا معدل تراكمي، ولا حتى "ناجح / راسب".

هل ستشعر بالراحة؟ بالضياع؟ بالحريّة؟ أم بالقلق؟

هذه ليست فرضية خيالية بالكامل… بل تجربة حقيقية بدأت تتوسع بهدوء في مدارس وجامعات حول العالم.

لماذا نُقيِّم الطلاب أصلًا؟

لنبدأ من السؤال البسيط: لماذا نضع درجات للطلاب؟

الإجابة التقليدية: لتقييم مستوى الفهم والتحصيل، وتحفيز التعلم، وتحديد من يتفوّق ومن يحتاج إلى دعم.

لكن المشكلة أن الدرجات – بمرور الوقت – أصبحت غاية لا وسيلة.

تحوّلت إلى رقم يختزل الطالب، يُحدد مستقبله، يُشعره بالنجاح أو الفشل… بل يُشكّل أحيانًا صورته عن نفسه.

ولذلك بدأ تربويون حول العالم يطرحون السؤال الجريء:

ماذا لو تخلّينا عن الدرجات؟

تجارب واقعية… مدارس بلا درجات

1. فنلندا: لا درجات حتى الصف السادس

في النظام التعليمي الفنلندي، لا يتلقى الطلاب أي درجات رقمية حتى عمر 13 سنة.

التركيز في هذه المراحل يكون على:

  • التعلم من أجل الفهم
  • العمل الجماعي
  • تطوير المهارات الفردية
  • التغذية الراجعة الشخصية بدل العلامات

2. مدرسة "سودبوري" (Sudbury) – الولايات المتحدة

هذه المدرسة الراديكالية لا تحتوي على مناهج موحّدة أو اختبارات أو درجات.

الطلاب يتعلّمون بناءً على فضولهم، ويقيّمون أنفسهم، ويتحملون مسؤولية تعليمهم.

3. جامعات تُجرّب "التمرير/عدم التمرير" (Pass/Fail)

بعض الجامعات العريقة مثل هارفارد وييل بدأت بتطبيق نظم بلا درجات في بعض المساقات، خصوصًا للمواد الإبداعية، لتشجيع المخاطرة دون الخوف من تأثير التقييم.

ما الذي يحدث عندما تُلغى الدرجات؟

في هذه التجارب، لوحظ:

  • انخفاض التوتر والقلق لدى الطلاب
  • تحوّل التركيز من "ما العلامة؟" إلى "ماذا تعلّمت؟"
  • زيادة الإبداع والمشاركة في الصف
  • تحسّن في العلاقات بين الطالب والمعلم، لأن المعلم لم يعد "حَكمًا"، بل "مرشدًا"

لكن لا يخلو الأمر من تحديات:

  • كيف يُقاس التقدم؟
  • كيف يمكن الانتقال من التعليم المدرسي إلى الجامعي أو سوق العمل بدون "معدل"؟
  • هل كل الطلاب لديهم الانضباط الذاتي للتعلّم دون حافز رقمي؟

ما البدائل عن الدرجات؟

التقييم لا يعني دائمًا أرقامًا، وهناك أدوات بديلة بدأت تُستخدم فعليًا:

  • التغذية الراجعة الفردية المكتوبة
  • ملف إنجاز (Portfolio) يعرض ما تعلّمه الطالب عمليًا
  • التقييم الذاتي والانعكاسي (Self-assessment)
  • مشاريع جماعية تطبيقية تُقيم من عدة زوايا
  • لقاءات تقييم دورية مع الطالب وولي الأمر

هذه الأساليب تركز على نمو الطالب لا على ترتيبه، وعلى جودة الفهم لا كمية الحفظ.

هل يناسب هذا عالمنا العربي؟

قد يبدو الأمر راديكاليًا في سياقنا، حيث الدرجات تُقرر مصير الطالب في الثانوية والجامعة والعمل وحتى في نظر أسرته.

لكن حتى في بيئتنا، يمكن البدء بخطوات تدريجية:

  • تقليل عدد الاختبارات الموحدة
  • استخدام التقييمات التكوينية والعملية
  • تدريب المعلمين على أدوات بديلة
  • إشراك الطالب في فهم "لماذا يتعلم"، لا فقط "كيف ينجح"

ختامًا:

الدرجات أداة… وليست قدرًا.

وقد يكون التغيير الذي نخشاه هو التغيير الذي يحتاجه التعليم ليعود إنسانيًا، مرنًا، ومحفزًا للفضول لا للقلق.

فماذا لو لم تكن هناك درجات؟

ربما حينها، نتعلّم لأجل الحياة… لا لأجل رقم في كشف النتائج.