في ظل المنافسة الشديدة في سوق العمل، قد نجد أنفسنا نختار مجالات الدراسة بناء على توافر فرص العمل وليس ما نرغب فيه حقا.
وهذا يؤدي إلى الحاجة إلى التفكير في مستقبلنا المهني والمالي على حساب أحلامنا الشخصية واهتماماتنا في مجالات الدراسة، والتي قد تبقينا بعيد عن هذه المجالات التي نرغب في دراستها.
فهل يجب علينا اختيار الأمان الوظيفي على الشغف الدراسي؟
أجد المنافسة محفزة بشكل كبير بالنسبة للشخص الذي يسعى للتطوير والتقدم في عمله، لدرجة قد تجعل الشخص حتى ينافس نفسه في تعلم شيء جديد وربما تغيير حتى مساره الوظيفي.
فهل يجب علينا اختيار الأمان الوظيفي على الشغف الدراسي؟
من تجربتي أقول أن الأمان الوظيفي قد يقتل أصلا شغفك تجاه التعلم لو لم تكن تطور من نفسك باستمرار فالقدرة على التعلم الذاتي ليس لها علاقة بالأمان الوظيفي من عدمه ففي فترة من حياتي بسبب اختياري الأمان الوظيفي على التعلم وجدتني متأخر بضع خطوات عن التطور الذي كنت أطمح إليه ولكن عندما أدركت الأمر وركزت أكثر على شغفي للدراسة والتعلم وجدتني أتطور حتى في الوظيفة نفسها ووجدت لنفسي فرص عمل كمستقل بشكل أكبر.
من الجيد أن تعرف ماذا تحتاج لكي تتمكن من التخطيط لمستقبلك، فأنا سعيد أنك اكتشفت الخطأ الذي وقعت به وعدلت مسارك لكي تطور منفسك.
لأن دائما أسأل نفسي ماذا اذا كنت تتعلم شيء لا تحبه، فهل سوف تبدع فيه عندما يتم توظيفك، او ان انا سوف اكون شخص جامد لا يطور من عمله؟ لكن الحقيقة أن المهم ان تبحث عن شغفك اولا.
لكن الحقيقة أن المهم ان تبحث عن شغفك اولا.
هذا بالضبط ما يجب أن نفكر فيه، فأحيانا حتى الوظيفة التي لا نرى فيها شغفنا قد تكون هي الدافع للبحث عن شغفنا في مجال وظيفي أخر ولهذا نتعلم ونتعلم عن مجالات أخرى.
أعتقد أن اختيار الأمان الوظيفي على الشغف الدراسي قد يكون خيارًا حكيمًا في كثير من الحالات، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية وسوق العمل المتغير. لكن دعونا نكون واقعيين، لا يمكن للجميع أن يطاردوا شغفهم ويفترضوا أن هذا سيوفر لهم حياة مستقرة ماليًا. هناك مجالات دراسية قد تكون ممتعة للغاية، لكنها لا توفر الفرص العملية التي يحتاجها الشخص للحفاظ على مستوى معيشي معين.
الشغف وحده لن يدفع الفواتير ولن يوفر الضمانات المالية التي تحتاجها للاستقرار. على العكس، البحث عن الأمان الوظيفي أولاً يمكن أن يتيح للشخص الفرصة لمتابعة شغفه بشكل جانبي أو حتى لاحقًا، عندما يكون الوضع المالي أكثر استقرارًا.
البعض قد يرى في هذا التضحية بأحلامهم، لكن إذا كان الاستقرار المادي سيخفف من ضغوط الحياة اليومية، فقد يكون هذا التضحية أمرًا يستحق التفكير فيه بعمق.
الكثير من الناس يفكرون في الوظائف كسب المال في المقام الاول، لان حقا الحياة صعبة والظروف الاقتصادية غير مستقره.
لكن السؤال ماذا اذا عملت في وظيفة لا تحبها، فهل تكمل بها من اجل المال؟ او تتركها للبحث عن وظيفة توفر لك راحة نفسية وترضي شغفك؟
العمل من أجل المال هو واقع يجب أن نواجهه جميعًا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. صحيح أن الشغف والراحة النفسية مهمان، لكن هل يمكن أن نغفل عن حقيقة أن الفواتير تتطلب دفعًا؟ الاستمرار في وظيفة لا تحبها قد يكون خيارًا منطقيًا عندما تكون الأعباء المالية ثقيلة.
في بعض الأحيان، يوفر العمل الذي لا نحبّه لنا الاستقرار المالي الذي نحتاجه، مما يسمح لنا في النهاية بالبحث عن الفرص التي تتماشى مع شغفنا. إذًا لا يجب أن نكون مثاليين في اختياراتنا المهنية بينما نعيش في عالم يتطلب منا البقاء واقفين على أقدامنا.
يمكننا دائمًا استغلال هذه الوظيفة كخطوة نحو تحقيق أهداف أكبر. المال يمكن أن يكون أداة تمكّننا من استكشاف اهتماماتنا، أو بدء مشروعنا الخاص، أو حتى العودة إلى التعليم. لذا، العمل من أجل المال ليس بالضرورة خيارًا سيئًا، بل يمكن أن يكون جزءًا من خطة أكبر لتحقيق الذات في المستقبل.
في هذا العصر، لا أجد تفسيرًا واضحًا لمصطلح الأمان الوظيفي. ألم يطغَ الذكاء الاصطناعي على كثير من الوظائف التي كانت تُعد من الوظائف المستدامة الآمنة في أوقات سابقة! مثال حديث العهد: تدريس اللغة الفرنسية ألم يكن عملًا مستقرًا لكثير من المعلمين قبل القرارات الأخيرة في مصر!
الوظائف بمُجملها لا تحمل أمانًا مُطلقنا، جميعها تحوي قدرًا من المُخاطرة، لذلك أُفضل المخاطرة نحو هدفي على الأقل سأكون مسؤولاً أمام نفسي عن أي نتائج غير مرضية مستقبلًا.
صحيح أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على بعض الوظائف، لكن لا يمكننا أن نغفل عن أن هناك العديد من المجالات التي لا تزال تحتاج إلى لمسة إنسانية لا يمكن استبدالها.
التدريس، على سبيل المثال، يتجاوز مجرد نقل المعلومات. إنه يتعلق بالتفاعل البشري، وبناء العلاقات، وتحفيز الطلاب. بينما قد يظهر الذكاء الاصطناعي كتهديد، فإن المهارات الإنسانية ستظل دائمًا مطلوبة.
الأمان الوظيفي ليس مجرد فكرة رومانسية، بل هو عنصر أساسي لضمان الاستقرار المالي والنفسي. المخاطرة في سبيل الأهداف قد تكون مغامرة مثيرة، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى نتائج غير متوقعة، مما يعرضنا لمخاطر اقتصادية كبيرة. لذا، لماذا نغامر بشيء يمكن أن يكون أكثر أمانًا؟ الأمان الوظيفي يمنحنا القدرة على التخطيط للمستقبل وتوفير أساس قوي نسعى لتحقيق أحلامنا عليه.
الأمان الوظيفي يمنحنا القدرة على التخطيط للمستقبل وتوفير أساس قوي نسعى لتحقيق أحلامنا عليه.
كثيرًا ما نسمع هذه العبارة ممن حولنا قبل أنن تنزلق أقدامهم في دوامة الوظيفة هذه، فينسون أحلامهم بحجة عدم توفر وقت لمتابعة أو تحقيق أي تقدم بمجهود ذاتي نحو أهدافهم.
الحلم في هذه الأيام يجب أن يكون على أساس قوي، وليس تضيع الفرص من أجل أفكار ليست على أرض الواقع.
"الهدف" يكفي أن يكون أساسًا قويًا للانطلاق منه، والمحفز في الموضوع أن الفرص التي ستحول دونه ليست بالمغرية، فهي مُجرد وظيفة روتينية مُستقبلها معتم.
لا ننكر ضرورة استثمارها في أضيق الحلول، لكن الحذر كل الحذر من الوقوع في فخ الانزلاق بها.
ولماذا لا نجمع ما بين الأمان الوظيفي والشغف الدراسي في الوقت ذاته؟ بإمكان أي فرد أن يعمل في مهنة تضمن له الأمان المالي وفي نفس الوقت يستمر في إشباع شغفه وتنمية هواياته، وهذا يجعله يحقق التوازن بين الاثنين، أعرف الكثيرون ممن قاموا بذلك ونجح الأمر معهم.
هناك الكثير من الأشخاص اللذين يعملون في أكثر من وظيفة، ربما ندرس ونتعلم ما يرضي شغفنا، مع تعلم مهارات جديدة توفر لنا فرص عمل كما ذكرتي.
لكن كيف تعتقدي أن بالإمكان أن نعمل في أكثر من وظيفة في وقت واحد؟ لكي نرضي شفنا مع كسب المال من وظائف متوفرة.
من وجهة نظري أن فكرة الانسياق وراء متطلبات العمل وقتل روح الشغف لعملنا الذي نفضله سيأتي لاحقًا بنتائج عكسية، فغالبًا من يختار الأمان الوظيفي لن يتقدم في تلك الوظيفة التي اختارها بناءً على مجرد زيادة الطلب عليها. من أين سيأتي بروح التعلم المستمر لها!
يمكن أن نضطر للعمل (لفترة محددة) في وظيفة لا نملك لها شغف لغرض تكوين رأس مال يأخذ بأيدينا نحو ما نحب العمل به أو نفضل تعلمه. أما فكرة الإقصاء الكلي لأحلامنا لكونها قليلة الفرص ليست بالفكرة الرشيدة.
كما ذكرت ان مهما عملت في اي وظيفة لا احبها من اجل كسب المال، فقد يرثر ذلك على النفسية بالسلب لفقد الشغف مع عدم تطوير عملي والتقدم الوظيفي به، لكن هل تعتقد السعي وراء الشغف سوف يوفر لي المال للعيش؟
لا نحبذ السعي المُطلق وراء الشغف، يمكننا كما طرحت أن نختار الرأي الحكيم في تقبل الوظيفة الآمنة لفترة قصيرة تمكننا بعدها من تغيير المسار نحو أحلامنا.
المشكلة فقط في نسيان اهدافنا كُليًّا! وليس في تقبّل وظيفة غيرها لفترة.
في ظل المنافسة الكبيرة في سوق العمل فيجب علينا أن نبحث في احتياجات السوق، فإن كان أمامنا عدة مجالات لنتعلمها سواء تتعلق بالشغف او لا، فإني سأختار ما هو مطلوب بسوق العمل، والأفضل ان تكون المنافسة به قليلة، مجال له راتب مرتفع وساعات عمل جيدة ويمكنني تعلمه بوقت قصير نسبيًا.
الفيصل بالنسبة لي هو ما يجعلني احصل على وظيفة مناسبة، ربما تتوافق مع شغفي وهذا ممتاز، او لا تتوافق معه فسأحاول بها وأجتهد حتى أتمكن من أدائها باحترافية وكفاءة، في كلا الحالتين سأحتاج للتعلم.
اختيار تعلم المجالات التي توفر الوظائف في سوق العمل، هو شيء أساسي من وجهة نظري.
لكن هل يمكن أن يتم دراسة المجال الذي يرضي شغفنا، مع تعلم المهارات التي توفر لنا مجالات أخرى في سوق العمل؟ فهذا ربما يوفر توازن بين الشغف وضمان الحصول على وظيفة؟
التعليقات