كيف أستطيع بمفردي كأب تحدّي نظام تعليم طفلي القائم على الحفظ وتعليمه التفكير النقدي؟

بالمصادفة أستعمل نفس الطريقة مع أطفال أخوتي وأحيانا بصورة مجازية كمحاورة غير عقلانية بحيث لا أجيب إجابة مباشرة عن أسئلتهم بل أجيبهم بإجابات غير منطقية وطريفة في نفس الوقت تجعلهم يحاجوني فيما أقول ويصححون لي إجابتي، مثلا لدي مركب خشبي صغير وسألتني أحد البنات ما هذا فقلت لها هذه طائرة فضحكت وتقول لا هذه ليست طائرة هذا مركب فأقول لها طالما تعرفين أنه مركب لماذا تسأليني فتقول لي أنت خطأ وأنا صح، وهكذا في مواضيع بسيطة وصغيرة مما يجعل الطفل يفكر ويجيب هو بدلا من تلقي المعلومات دون التفكير فيها، حتى أني أحيانا أسأل الطفل نفسه عن أشياء أجعله يصل للإجابة بنفسه لدرجة أنه يتفاجأ بأنه توصل لها.

وهذا أمر ممتاز وهذا بالضبط ما أتحدث عنه، في أن يخلق في الطفل شعور نابع من الداخل بالاستمتاع عند معرفة أمور جديدة لا في أننا الآن نعرف أمور جديدة لإن واجبنا أن نعرف أمور جديدة كما يحدث بالمدرسة التي أعتقد للأسف بأن في هذه الأنظمة الصارمة التي تتعامل مع الطفل آلياً هي أكثر ما يقتل التفكير عند الطفل فعلاً.

أعتقد أن تأثير ذلك السؤال على الطفل بالفعل سيأخذه تأثيره لمنحنى آخر لا نريده، ولهذا يمكن تبديل السؤال بأسئلة أخرى تخلق لديه الفضول حول أو التفكير أو المعرفة، مثلا هل فكرت كيف يمكنك أن تنفق تلك النقود بأفضل طريقة تمكنك من الاستفادة بها؟

أظنك بهذه الطريقة تحرضه كي يكون أناني ربما

هذا لإننا نحن من تربينا خطأ لا هو ولذلك نرى هذه أنانية، المقابل ليس أنانية، حين يكون شيء مقابل شيء أين تكون الأنانية؟ هل حين تدفعين مبلغ معيّن للبقال لشراء بعض الحاجيات تكونين أنانية أو حين تعملين لقاء راتب تكونين أنانية؟ نحن تربينا خطأ على أن طلب المقابل هو أمر خاطئ وطريقة مغلوطة للعيش ولذلك معظم المجتمع العربي فقير وحتى ميسور الحال في بلداننا لا يتعدى دخله ال ٥٠٠ دولار. لن نستطيع تأمين معيشة لائقة بأفكار مغلوطة عن العمل وتحصيل المال وأفكار مغلوطة عن الادخار وهي الأمور التي تم ضربنا فيها بالمدارس أو أحياناً كثيرة تجاهلها.

أريد أن ألفت إلى جزئية نقوم بها في هذا الصدد وهو أن مجتمعنا يتعامل مع الطفل بطريقة غريبة جداً تقصيه من كل الأمور التي يجب أن يفكّر فيها وتستهزئ بكل الأمور التي يجربها ولذلك نلاحظ بعد فترة قصيرة أن الطفل حين يصبح عمره ٦ سنين يتحول تحول جذؤي من شخصية شقية تحب اكتشاف الحياة إلى شخصية جبانة خجولة لا تقوى على مواجهة أي شيء! نعطّل عنه التفكير فيتعطّل تماماً بدوننا.

بالفعل، مشكلة كبرى هي أن نجعل بيئة الطفل مقتصرة فقط على المدرسة وما يتعلمه منها، يجب أن نساعد أطفالنا على خلق حياة اجتماعية متعددة الأنشطة والفرص فيكونوا منفتحين على التواصل والتعلم والتعامل مع مختلف التحديات والشخصيات.

الانتساب لأندية أو فرق لاحظت أنه أيضاً لنهج وعقلية ثالثة في عقلية الطفل ولذلك أفضل أن تكون هذه النشاطات أيضاً متأخرة أي تأتي بعد سن الثامنة، لإنني لاحظت أن هذه التناقضات الكثيرة بالأجواء تنعكس على الطفل عاجلاً أم آجلاً وتصنع منه شخصية مهزوزة تهدف دائماً إلى التماثل مع المجتمع والمحيط لا التمايز عنه وهذا أوّل التأسيس للخراب المجتمعي الحقيقي برأيي في الجيل.

والعمل الجماعي مع الأقران 

للأسف هذا الأمر فاشل فشل ذريع في بلادنا العربية، فلنتفقد سويا عن كثب مشاريع التخرج في الجامعات العربية تجد جميع أعضاء الفريق بِلا استثناء بعد مناقشة المشروع بل قبله يقاطع بعضهم بعضا وكأنهم إخوة تناحروا على الميراث أو زوجات لرجل واحد. وحتى أكون منصفا أنا لم أجد هذا يحدث في الولايات المتحدة مثلا بحكم أنني درست فيها ولكن حقيقي لا أعرف السبب الحقيقي وراء هذا؛ هل هو لأن الفصول الدراسية في الجامعات والمدارس الغربية بها أشخاص قليلة العدد لذلك عادة ما تكون المشاريع الجماعية قليلة ودائما ما يعمل كل شخص على مشروعه؛ أم أن عدم تقبل الآخر إذا تعارضت آراؤه معنا هي طبيعة بشرية ونحن نكابر ونتظاهر بالعكس حتى نبدو متحضرين زيادة عن اللازم؟ ويذكرني السؤال الأخير ببلاد العم سام التي تدعي أنها تحارب العنصرية وهي في نفس الوقت عنصرية من داخلها.

ولهذا قلت كيف يمكن أن يواجه الأب نظام التعليم التلقيدي لا كيف يواجه الطفل، الطفل من السهل جداً أن يتطور ويتقبل الداخل إليه من معلومات وخاصة إن كان هناك إشراك للمتعة والتتسلية في هذه المواقف والطرق التعليمية ولكن المصيبة تكمن في مواجهة نظام معاكس تماماً ونظام مُلزم أيضاً للطفل ومرتبط بمستقبله أصلاً في حياته وبالتالي لا يمكن الاستغناء عن هذا الخط.

مثلا السماح له بانتقاء ملابسه وتسريحة شعره وقصصه وغير ذلك.

كنت استمع مرّة على الراديو لطبيب نفسي يقول لنا كيف يمكن أن ننمي ملكات طفلنا في عملية الاختيار ونبني ثقته بنفسه في مسألة اختيار الملابس وحريته الشخصية عبر تحديد الخيارات له ومن ثم اعطاءه فرصة الاختيار، من تجربته يقول أنه يشتري ملابس كثيرة لابنه كدفعة واحدة ويضعها في الخزانة الخاصة به، ومن ثم حين يريدون الذهاب بمشوار يقول لابنه: "حبيبي أنا لن اختار لك ملابسك، أذهب أنت واختار بعناية كيف تريد أن تظهر للناس" قال الطبيب في أنه بهذه الطريقة حافظ على توفير اختيارات بجودة عالية لابنه وبنفس الوقت منحه حرية الاختيار وعيش هذه التجربة وينصحنا أن نتعامل مع كل شيء لأبنائنا بنفس الطريقة.

هم لم يتاح لهم ما نعرفه نحن الآن

هذه العبارة لا أومن بها كثيراً، كان هناك لديهم وقت ومكتبات دائماً لتعلم الأمور، كان عصرهم أهدأ وصالح للتجريب والتعلم أكثر، ولكن ما الذي فضّلوه غير ذلك؟ الاستكانة إلى تبية الآباء والأجداد، لم يفكّروا كثيراً في كيفية وصرورة تطوير التربية التي توارثوها من آبائهم، ولا يزالوا أحياناً برأيي يمارسون ذات النوع من العناد عبر دعوتنا نحن أيضاً في عدم الخروج عن تربيتهم وتربية آبائهم!

على سبيل المثال نطرح مشكلة تناسب عمر الطفل ونجعله يفكر في طرق مختلفة لحلها،

أو ربما لا تكون مشكلة وفقط نفسح له المجال ليفكّر يما يواجه الآن، مثلاً عندي ابن صديقي حين ذهبت لعنده، كنا نجلس على طاولة الطعام فانتبهت أن ابنه يقوم بتكويم الكتب على الكرسي ليجلس ويصل إلى الطاولة بشكل طبيعي، منعني صديقي من مساعدته وانتظرناه حتى انتهى ليبدأ الأكل، مثل هذه المواقف برأيي تعلّمه معنى الاعتماد على الذات والثقة بالنفس بأكثر من مئة درس تاريخ في المدرسة.