هل تعتقد بأننا سنجلس أنا و انت ننظر و نتفكر في السؤال؟ قم نضع أنفسنا مكان المعلم و الطالب، الإمكانيات ضعيفة و الحاجة للمال تزداد يوما عن يوم و المناهج تزداد تعقيدا و الحاجة للشهادة الجامعية تتضاعف كل لحظة و الكتب عقيمة، و وقت الحصة لا يكفي و السنة الدراسية تنكمش و الطالب يعاني في الأساس من الكثير من الفجوات التعليمية، لاتنظر لي هكذا إنها الحقيقة و إن تعامت الناس عنها و بكل هدوء أريدك فقط إعادة ترتيب كل تلك الاسئلة التي طرحناها و نعم إن كل مشكلة من ما طرح تحمل في رحمها سؤال و إن قبضت عليه ولدت الإجابة لذا مد معي الخط على استقامته إلى النهاية بمشاكل أكثر و أكثر، ستلاحظ الاقتراب من سؤال أساسي يبدو أنه سيكون بمثابة قطعة الدومينو الأولى التي ما إن تسقط حتى تنهار كل المشاكل الأخرى تباعا و الآن بإصبعك و بروية المسها.

القطعة الأولى : من أين لنا بالمال؟ 

"المال ليس كل شئ" كذبة فها أنا و أنت : المعلم و الطالب لن نستطيع أن نخطو خطوة واحدة بدون المال و يبدو أن قطعة الدومينوا هذه كانت الأثقل علي كاهل وزارة التربية و التعليم فلا زالت متمسكة بمبادئ شيوعية التعليم و الزي المتماثل و أننا سنجعل التعليم بالمجان في كل مكان و لكن منذ نعومة أظافر الدروس الخصوصية أدركت أنه لا سبيل لنا سوي تحكم المال بنا و أن نخضع الكل للعرض و الطلب أو قل إن أتي لك طلبة أكثر حصلت علي مال أكثر أو قل إن زادت كفائتك ستحصل علي الكثير و الكثير من المال اللذي كون إمبراطوريات تعليمية جبارة و استطاعوا لأنهم حصلوا على الأموال التي مكنتهم من ذلك بناءا على خبراتهم و قدراتهم و هنا كانت البداية لنرى الإبداع في تقديم الشرح و توفير متابعة شخصية لكل طالب و كتب على أعلى مستوى و هذا الرابط [1] هو مثال لمنجزات الدروس الخصوصية في بند الكتب فقط، جودة عجزت الوزارة عن تقديمها لسنين طوال و لكن هل لاحظت ما حدث هل لاحظت انسيابية المال داخل تلك المؤسسات المال لم يظل حكرا في يد قلة بل وظف المعلمون أصحاب تلك المؤسسات التعليمية مساعدين لمتابعة الطلبة و أشخاص لتصحيح الواجبات و اخرون للتصوير و غيرهم للمونتاج و الإبداع الاعلامي و الكثير و الكثير، صناعة كاملة بها المئات و المئات مِن مَن يعتمد رزقهم عليها و لم يكتفوا بذلك فقط بل قرر بعضهم دفع الأمور إلي أقصاها فنجد منصة بستطهالك توفر كورس للدعم النفسي لطلبة الثانوية العامة بالتعاون مع متخصصين [2] و الأستاذ خالد صقر و الإستاذ محمد مجدي مدرسا مادة الكيمياء يقومان بعمل التجارب المعملية بشكلا حي في المعمل للطلبة [3] ، سنوات و الوزارة عاجزة عن تحقيق ذلك بدعوي مجانية التعليم و هل ستكتفي الدروس الخصوصية بذلك فقط كلا بل تحول كل معلم إلى سلعة - بلغة الإقتصاد هذا امر حسن و ليس بالسئ - يقوم جيش كامل بالعمل على الترويج له فنجد فيديوهات كوميديه للمدرسين [4] و فيديوهات أخرى تحفيزية و نصائح في الحياة فتحول المعلم إلى نجما من نجوم السينيما لا بل أكثر و الأمثلة لا تعد ولا تحصى و لكن ها قد اشهرت سيفك نحوي بالكثير من الاتهامات و صبرا بالله على فسأقتل إتهاماتك تلك الواحدة تلو الأخرى و لكن قبلا أريد أن نرى قطعة أخرى.

القطعة الثانية : الرأسمالية تولد التخصصية و هناك المزيد

لم يعد هناك شك بأن الدروس الخصوصية هي سوقا حرة خاضعة فقط للعرض والطلب و قد عددت بعض تلك المزايا و لعلها واضحة بالفعل للكثيرين ولكن ما خفي كان أعظم فقانون العرض و الطلب لازال في جعبته الكثير و الإبهار أتا فإذا أمعنت النظر في هذا السوق ستجد أنه خلق التخصصية بشتى أشكالها فأصبح هناك معلمون متخصصون في فرع من مادة، أو متخصصون فقط في حل التدريبات، و آخرون للمتابعة الشخصية مع الطلبة و غيرهم لتصحيح الواجبات و هنا يجب أن أوضح أن كل من يساهم في منظومة التعليم الحر تلك يتبعها بمعنى أن الدحيح عندما قام بشرح جزء بسيط من منهج الثانوية العامة المصري فقط أصدر منهجا تعليميا قابلا للاستهلاك و خاضع للعرض والطلب وبالتالي يضاف معنا لقائمة الإنجازات لنظام الدروس الخصوصية وما يؤكد كلامي هو المهندس لطفي زهران وهو من أشهر معلمي الرياضيات في مصر و ليس بخريج لكلية التربية بل هو خريج كلية هندسة [5] و عكف على تدريس الرياضيات بشتى فروعها حتى كون إمبراطورية لطفي زهران التعليمية و هنا أمرا آخر لابد من أن أشير إليه أنه مهما كثرت الإمبراطوريات فلا مجال للاحتكار، كعب اخيل السوق الحر الذي لطالما عانى منه الكلاسيكيون كان أن السوق الحر دائما يتواجد معها الاحتكار بشكل أو بآخر مما يوجب تدخل الحكومة و لكن هنا لا للاحتكار فهذا بحر ضخم، للجميع القدرة على عرض منتجه التعليمي وهنا اكرر لا يضيق الأفق الخاص بك على الصورة النمطية للمعلم في الغرفة الضبابية و الطاولة البائسة و الطلبة الذين يترنحون يكررون كلمات اللغة الانجليزية حفظا و دائبا يا صديقي البحر أوسع من ذلك بكثير، فقناة شارع العلوم في العام الدراسي ٢٠٢٢/٢٠٢٣ قررت نشر فيديو عملي مجاني لكل تجارب مادة الكيمياء للصف الثالث الثانوي [6] ومرة أخرى هذا منتج تعليمي دخل حيز العرض و الطلب الخاص بسوق التعليم النظامي وهو سوق لا يشبع أبدا.

القطعة الثالثة : لا داعي للطبخ في المنزل

سياسة من ضمن السياسات الناجحة الكثيرة التي تتبعها كبرى الشركات الآن فشركة أبل لا تصنع الايفون بل تصممه و شركة إنفيديا لا تصنع شرائحها الباهرة في المنزل بل تأخذها طلب مخصوص من شركة tsmc التايوانية و اوبر لا تملك السيارات و الدروس الخصوصية لا تبني الملاعب و المكتبات و المعامل و أكشاك الطعام فهي فقط تفعل ما تتقنه و تترك باقي المهارات تنميها باقي الوزارات فيبدو أن وزارة التربية والتعليم قد أغفلت وجود وزارتين اخريتين يعملان بدأب لتنمية مهارات الطالب المصري بل قررت الوزارة احتكار الطالب المصري و بنت ملاعب لا تضاهي ملاعب وزارة الشباب و الرياضة و بنت المكتبات تستعيض بها عن قصور ثقافة وزارة الثقافة كان ينقصها بناء مركز شرطة و مول تتحول المدارس إلي كمبوندات، وهل تكتفي بذلك فقط كلا بل تجبره على الجلوس ما يقارب من ثمان ساعات متواصلة و يشتري من بضع اختيارات بكشك المدرسة، إن تركنا لكل وزارة عملها و اكتفينا بالمدارس أن تلبي وظيفتها وهي نقل المعلومة المجردة سنسمح للطالب بالكثير من الوقت لتنميه باقي الوزارات و لزيادة أعداد الحجاج من الطلاب لوزارتي الثقافة و الرياضة لا مانع من الإعلان لهم على جُدر المدارس بدلا من "مدرستي نظيفة... مدرستي متطورة" التي تبكي الأعين حين يراها المارة من فرط جمالها، فلا داعي للطبخ في المنزل.

و هنا يمكنني يا صديقي بكل اريحية أن نعود مرة أخرى لسيفك المشهر نحوي و أولى اتهاماتك لي. 

الاتهام الأول : التعليم الحر للأغنياء فقط

من هذا السطر ساستعيض عن كلمة الدروس الخصوصية بالتعليم الحر لأنها اشمل و أقوى و أكثر دقة، و يكفي القول في سطرا واحد أن ثمن الدروس الخصوصية في القاهرة أقل أضعاف مضعفة الثمن في الأرياف و هذا ما رايته بأم عيني ولم اتعجب لأن من الطبيعي أن تكون تلك هي الأسعار فالأمر خاضع للرضى بين الطرفين و القاهريون اغلبهم ارتضى بذلك السعر أما في الأرياف فارتضوا بأسعار زهيدة جدا هنا ستأتي و تقول و لكن التعليم منخفض الجودة في الأرياف الإجابة هي نعم و لا، ففي الأرياف القدرة على الوصول إلى تعليم عالي الجودة لا احتياج لها بل هي رفهية لأن الغاية هي الحصول على أعلى الدرجات و طالما أن هذا ممكن بالطرق البدائية لن نجد أي تطور يذكر و هنا احب ان اكرر بأنني لست متطرفا و لكن دعنا نتصور تدخل الوزارة بشكلا منطقي في هذه المشكلة و قررت أن ترفع من جودة التعليم هناك ماذا ستفعل؟ اتمنى ألا تفكر بنفس الطريقة المركزية البلهاء فكر كأنك درس خصوصي، أي فكر في التربة لا في النبتة لا تتحول إلى بابا و ماما التعليم، هل تريد رفع جودة التعليم؟ كلا انت تريد أن يكون بإمكان المنتج التعليمي الوصول إلى تلك المناطق بنفس سهولة و يسر الوصول إلى المدن و عليه أطلب المشورة من المنتجين التعليمين إسأل ما هي معوقات وصولهم او وصول محتواهم التعليمي إلى هناك و لا تفعل شئ سوي تمهيد الطريق فبناء ملايين المدارس لا فائدة منه إن لم نتحقق الأول من أن هذا هو الهدف فإذا كانت مشكلة هؤلاء المنتجين هو الإنترنت إذا سارع بإدخاله للبيوت، يريدون استوديوهات تصوير إذا ابني مدرسة او اثنين فقط مجهزان للتصوير، اتح للمعلم في تلك المناطق إعطاء الدروس الخصوصية و في المدارس نعم في تلك المباني التي كادت أن تكون دور عبادة وما هي إلا مباني لا أكثر تالله لو قرر المعلم الشرح بين غطيان القمح و ما المانع، و هنا ستنهار مشكلة الأسعار لأن العرض سيزيد لأن الكل سيتاح له الشرح دون قيود للعدد اللذي يريد من الطلبة و ماذا لو اراد المعلم رفع السعر و ما المانع سينتقل الطلبة إلي معلم سعره أقل و هكذا حتى نصل إلي نقطة الاتزان السعري، جمال يا صديقي سحرا لا يصدق.

الاتهام الثالث : الدروس الخصوصية لا تتبع معايير التعليم الجيد و هم غير مدربون

ذلك الاتهام سأتركه فارغا ففي ذهني هو اتهام ذو بدلة و كرافتة و منصب رفيع و اعيب على هذا الاتهام كونه أغفل أن مفتاح رفع جودة التعليم في سوق التعليم الحر هي الاختبارات فقط، كزر رفع الصوت لأعلى و لأسفل بسهولة شرب الماء فقط ارفع جودة الاختبار و هم سيرفعون من جودة الشرح و سيحصلون على الدورات التدريبية التي يحتاجونها لفعل ما تريد، وعليه ركز فقط على وضع إمتحانات توجه المعلمون والطلبة أينما شئت, افعل ما عليك أنت أولا.

الإتهام الرابع : هل أحرق هتلر اليهود قديما و ستقتل انت معلمو المواد الغير مضافة للمجموع حديثا

بل على العكس يا صديقي المحترم، ساضع لهم كف يدي ليصعدوا عليه من معلمين درجة ثانية في أعين المجتمع إلى معلمين درجة أولى عبر جعل موادهم إجبارية لمن يريد، وأؤكد أنه لمن يريد أي من يريد الالتحاق بكلية معينة يتعين عليه الحصول على درجات معينة في المواد التخصصية ( الغير مضافة للمجموع سابقا ) كالدين و الرسم و الحاسب الآلي و إلخ.

الاتهام الأخير : بسسست... أين حقوق المثليين جنسيا

اتهام سيوجه لتعليم حر يتناقل أفراده الثقافة العامة و التي في بلدنا الشريفة الحرة ترفض الشذوذ و الإلحاد و عليه ستفكر الحكومات ألف مرة قبل تقبل نظام لا يسمح لها بالتحكم بعقول الشعب ففي التعليم الرسمي المعلم طوال الوقت تحت المجهر، أما في التعليم الحر فالمعلم لن ينقل المادة العلمية يتيمة بل سينقل معها الثقافة العامة والأخلاق المجتمعية التي تكونت لسنوات، ولكن ماذا لو كان هذا الإرث معيبا كالتحريض على ختان البنات او العنصرية ضد بعض الفئات، هل تعتقد أن تلك مشكلة التعليم وحده ؟ بل مشكلة الدولة بأكملها و يتعين هنا على الوزارة إيجاد حل فعال بدلا من عبث تعديل المناهج التي تُلقى في القمامة و درس الأعضاء التناسلية أكبر دليل على هذا ففي ببعض المناطق الريفية و غيرها لا يدرس بتاتا و لا يلتفت إليه أبدا و صور رئيس الجمهورية لو طرزنا بها أغلفة الكتب إن كان المعلم يرفضه فسيهين تلك الصور أمام الطلبة فلا تحاول تحريك الصخر بالنفخ به، الشعب ليس ابله فكر في طرق جديدة كعمل نماذج المحاكاة و الأبحاث؛ التي ستضع الطالب تحت ضغط البحث عن الحقيقة، إن كنت تريدها حقا.

و قبل إنهاء الرد على هذا الإتهام أريد أن أنوه أنه لن ليس الأخير بل ستتوالى غيره الكثير و لكنه سيكون آخر اتهام تلقي به أي حكومة على طاولة المفاوضات مهما بلغت من قوة فلن تتحمل أيا من تلك الحكومات أن يُشهر نحوها سيف انعدام الديمقراطية من قبل المعارضين و أنها دولة شمولية تريد غسل عقول شعوبها.

ونأتي هنا للحظة التي حُبست لها الأنفاس، ماهو السؤال الذي استدعى وجود الدروس الخصوصية ؟ باختصار "كيف يمكننا نقل الثقافة المحمودة من جيل إلى جيل في ظل الإمكانيات المتاحة مع السعي لتطويرها ؟ " والسبب في اختياري لهذا السؤال يطول شرحه و يمكننا أنا وأنت التحدث في أي وقت بشكل شخصي إن أردت.

و قبل الرحيل أريد أن أنوه أن هذه المقالة ليست بالحل الشامل الوافي لكل أو حتى لجل العلل التي يعانيها التعليم المصري إنما هي صوت أريد إضافته للمحادثة الحالية في الوطن مصر لعله ينير بصيرة أحدا ما لتعليم يناسبنا حقا وليس مستنسخ عن الغرب، تعليم يستمد قوته من البيئة، تعليم حر.

[1] https://booxtore.net/index.php

[2]

[3]

[4] https://www.youtube.com/sho...

[5] 

[6]