حين تدخل مدينة للملاهي مع أطفالك، تراهم فرحين، هل تفضّل لحظتها أن توثّق هذا الفرح للأيام المقبلة بأن تكتب عنه مباشرةً وتدوّن أشكالهم ومكانهم ومحيطهم وجوّهم ومزاجهم ومشاعرهم على الورق أم تُفضّل عوضاً عن كل ذلك التقاط صورة لهم في اللعبة مبتسمين؟ 

الصورة أعتقد أنّها ستغنيك وبالمثل سوريا مع كل ما حصل ويحصل فيها وهنا أتكلّم عن ما يحصل فعلاً إنسانياً، أي حال الإنسان ومقامه وشعوره ومواقفه اليومية وكيف هي حياته بالمجمل، هذا تُفلح الصورة بالتقاط، كاميرا الفيديو، التي توثّق لحظة بلحظة كيف يتبدّل الوقت وتتبدّل المشاعر، عوضاً عن أن أقرأ عن البكاء في كتب المؤرّخين أو عن الجوع والتعب والفقدان، أستطيع أن أراه، أراه وأراقب بخطوات إلى إمام إتجاه الحقيقة.

هل نحن في عصر نحتاج فيه حقاً لمؤرّخين، على الأقل من وجهة نظر وحاجات المنطقة السورية؟ لا أعتقد ذلك نهائياً، يبدو أنّ الصور استبدلت هذه الأمور وأغنتنا فعلاً عن هذا، حتى طلّاب الدكتوراه مثلاً الذين يحضّرون بحثاً عن المنطقة لدراستها سيفرحون أكثر بوجود أفلام سينمائية ووثائقية عن المناطق خاصّة لو كانت مُدققة من أشخاص كبار، مؤرّخين وخبراء كبار في فهم الحالة السورية جيداً. 

قام المُخرج السوري الكبير محمد ملص بإعداد فيلمه عن الأزمة، اسمه "سلّم إلى دمشق" حين مشاهدته تشعر بأنّ روايات وكتب أخرى لا تستطيع أن تصل بهذا المستوى من الأمانة وجمال الاستعراض وأذكر مثلاً منها: بيت حدد للروائي فادي عزام أو عتبة الألم للروائي والسيناريست حسن سامي يوسف.  

لا داعي نهائياً إذاً للأوراق، ما حاجتنا لعذابات مجانية وجهود ضائعة؟ الصورة أبلغ ما يُمكن تقديمه، لا بأس بالكتابة على الصورة، لكن صورة، عدسة على الواقع مباشرةً تُغني عن عمل المؤرّخ المضني، ربما الاستفادة الوحيدة التي يُقدّمها المؤرّخ هو صيغة تخاطب سليم مع أكاديميين المستقبل من رواد كليّات التاريخ وفقط. 

أخيراً، هل تتفق مع طرحي؟ أم تظن أنّ ما زلنا بحاجة لأوراق المؤرّخ وعيونه وصيغه للتوصيف والتأريخ؟ وإن كنّا في حاجة فعلاً ألا تشعر بأنّ هذه العملية أقل أمانة بكثير من قدرات وأمانة الصورة أو الفيلم الوثائقي؟