الفيلم الوثائقي والإلهام

الأفلام الوثائقية بالنسبة لي هي أعلى درجات الإلهام التي أتعرَّض لها، فحين أشاهد أحد تلك الأفلام التي تحاول أن تحكي لي قصة حقيقية بأسلوب خيالي ممتع، فإنها تحفزني على إيجاد المعنى والقيمة في أكثر الأمور مللًا في هذا العالم، فَتُحوِّلها إلى مغامرات مثيرة وحماسية، ولذا دعني أعرِّفك على بعض هذه الأفلام التي زرعت بداخلي هذا السحر:

1. الدقيق والماء والخميرة

قد تبدو هذه المكونات أولية وبسيطة، لكن هل كنت تعلم أنها تُصنَع منها آلاف أنواع الخبز حول العالم؟ وهل كنت تعلم أن خطوات صناعة كل نوع تتباين وتختلف من مكان لآخر، وأنواعًا منها لم تسمع بها من قبل أو لم تتذوَّق مثلها؟

يناقش هذا الفيلم علاقة الخبز الوثيقة بثقافة كل شعب وعمق الوصفة التي يُصنَع منها، وارتباطها بالهوية الوطنية لأهل البلد، كما يكشف كيف تؤثر سياسات الغذاء العالمية في صناعته، كل هذا وأكثر عرفته من فيلم واحد فقط يتناول موضوعًا قد يبدو مملًا وبسيطًا مثل فن صناعة الخبز.

2. عالم الفطر

إذا كانت كل معلوماتك عن الفطر أنه "الماشروم" الذي تتناوله، فإنك لا تعلم أي شيء، لأن الفطر له أشكال لا حصر لها، وهذا الفيلم يساعدك على الإحاطة بجزء من الوظائف الحيوية التي يقوم بها في حياتنا.

ما علاقة الفطر مثلًا بتغذية جذور النباتات في التربة؟ وما علاقته بالمضادات الحيوية والمركبات الكيميائية المعقدة؟ وما علاقته بشبكات الطرق والأنفاق والهندسة؟ إنها مواضيع شيّقة كان لهذا الفيلم الجميل دور في عرضها.

3. الخلايا الجذعية: علاج المستقبل

سمعنا عن الخلايا الجذعية من قبل، لكننا لا نعلم حقًّا: كيف تعمل؟ كيف يتم استخراجها من الجسم؟ وكيف ساهمت في علاج الناس؟ لماذا لا يتم تداولها عالميًّا؟ وهل هي دواء أم جراحة؟ وهل يمكن أن تشفي جميع الأمراض فعلًا؟

كل هذا في فيلم يستعرض تفاصيل علمية دقيقة عن علاج مستقبلي بنكهة درامية ممتعة.

لماذا أفضّل الوثائقيات؟

ولهذا أفضِّل الأفلام الوثائقية على الأفلام العادية، ولا أقول الدرامية؛ لأنَّ كلا النوعين درامِيٌّ مع الفرق في تكوين هذه الدراما، فأنت في الحالتين ستستمع إلى قصة، إلا أنَّ قصة الفيلم خيال كاتب، وقصة الوثائقي دراما حيّة تنبض من حولك، فتغيّر نظرتك إلى الحياة نفسها.

إنها تزيدك قدرة على التأمل والتفكير بعمق في مواضيع كنتَ تعتبرها مملة في وقت ما، وتوسِّع وعيك بالقضايا العالمية المهمة وبحركة النشطاء في كل مكان.

أعترف أنَّه ليس كل صانع لهذه الأفلام يُتقن فن الحكاية والسرد، لكن بعضها فعلًا يتفوق على الأفلام الروائية الطويلة، ويجعلك تظن بأنك كنت في رحلة معه لحياة كاملة في ساعة واحدة أو أقل، وما رشّحته لكم مما سبق ذكره ما هو إلا غيض من فيض المتعة التي أعيشها بين الفينة والفينة حين أَرِدُ شاطئَ بحرٍ من هذه المحيطات العميقة وأغوص في أعماقه لأتعرَّف على خبايا عالم قد يكون قريبًا منّي لكني لم أره من قبل.