من أمن العقاب أساء الأدب

ما دمنا نحكي عن الأدب والعقاب فدعينا نتحدث أولًا عن أساسيات الحكم أي الحكم على قضية ما وأبسطها

"الإحاطة بكافة أطراف القصة" ومعرفة أقوال الجميع الجاني والمجني عليه إلخ. وهذا ما لا يمكن فعله في الإنترنت فبطلت صلاحية استخدامها لهذا الغرض أي الحكم على الوقائع والقضايا الجنائية.

ارتفع معدل القتل في الفئة العمرية التي أقل من الثامنة عشر، إذا بدأوا في المشاجرة حتى على أحقر الأسباب لابد أن تنتهي بالقتل، أصبح زهق الأرواح سهلا لا خوف منه، وانحدر هذا الجيل سلوكيا لا وجود لأخلاقيات ولا مبادئ.

يفتقر كلامك للإحصائيات. لذلك لن أناقشه

وهناك العديد من القضايا التي انتشرت مؤخرا وهزت المجتمع وما كان رد الفعل سوى هاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي، هل ترى هذا رد فعل مناسب؟

مواقع التواصل الاجتماعي لا تعطيك القصة الصحيحة ولا الكاملة. هذا أمر. والناس لا يشاركون الهاشتاق لأنهم طيبون كرماء ويريدون المسألة أن تنتهي إنما (وفق ما تابعته فقط ولا أعمم) يُرْضُون نزعة النميمة والغيبة لديهم لا أكثر. لأنه في حادثة مأساوية وقعت في إحدى البلدان العربية قام الزوج بضرب زوجته لدرجة قلع عينها ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولهم بنات ففكرت في ما يلي:

وضعت نفسي مكان الضحية وتسائلت الأسئلة الآتية:

• من الممكن أن الجاني وحش لا شك في ذلك وهو قريبي مثلًا. -أبي في هذه الحالة- لكن لا أريد قصتي على كل لسان (اللي يسوى وما يسواش) لا أريد رغم أن أبي جاني أن يتحدث الناس عن قصتنا دون أي سيطرة مني.

• كوني ضحية أريد بالفعل أن تجري العدالة في مجراها لكن أين حقي في الخصوصية. المشكلة الأكبر من الكارثة هو أني أصبحت مادة لتحليلات ناس لا أعرفهم يحكمون عليّ ويفصصون حياتي تفصيلة تفصيلة دون أي اعتبار لوجودي

• من حقيّ أن أعيش حياة طبيعية ولا يكون لدي سجل أسود في عمليات البحث لإرضاء فضول ناس مرضى.

ختامًا

لا شك في وجود وحوش بشرية في المجتمع (وعددها قليل بالفعل نظرًا لإجمالي عدد السكان) لكن الوحوش الحقيقة هي تلك الكائنات التي تعيش فوق الكنبات والأسرّة وتضع مؤخراتها على الكراسي والمصاطب وعلى الدكك والسكك والتي يسيل لعابها أمام أي قصة بها جريمة أو فضيحة وينشروها ويحكمون على خلق الله دون تبين ولا ضابط ولا رادع هم أيضًا وحوش. وحوش ذات تأثير نفسيّ قد يتجاوز في شدته الواقعة المأساوية نفسها.

بأمانة انسي ما تقرأنيه في الشبكات للحظة

انسي الواقعة المأساوية التي حدثت

فكري للحظة كضحية... والسجل المتراكم في محركات البحث والمواقع..

هل هذا عدل؟

لسبب وجيه هناك حقّ النسيان في غوغل لكنه في أوروبا وليس لنا. ربما لأننا أنصاف بشر نتغذى على الأخبار المريعة.

تلخيصًا لما أود أن أقوله أني أرى أن سبب المشكلة التي تعرضينها لا تكمن في "من أمن العقاب أساء الأدب" بقدر انها تكمن في الثقافة التي أنتجت هذه الحكمة، وعلى فكرة العقاب ككل، أنا لا أرى ان العقاب يوقف الجرائم والتاريخ يشهد بقسوة العقوبات التي كانت تُفرض وإن ساهمت حقًا في حل المشاكل، لأن ثقافتنا تعمى عن رؤية الأسباب الحقيقية للمشاكل، وسآخذ من موضوعك أمثلة:

من يضمن عدم العقاب يجول في الأرض فسادا، نتيجة لعدم تكافؤ العقوبة مع مستوى الجريمة، انتشر الفساد والاحتيال وارتفاع معدل قضايا التحرش والقتل والسرقة، حتى بين الأطفال الذين في الحقيقة لا يستحقوا لقب طفل، وانتشار الأسلحة البيضاء حتى بين الطلبة في المدارس فأصبح مكان الكتاب والقلم المشرط والسكين، فلا يتردد الشاب الذي هو في نظر القانون طفل أن يقتل ويتحرش ويسرق فهو في النهاية يأمن العقوبة، فالقانون يراه طفلا حتى عمر الثامنة عشر.

هذا في نظري تحليل خاطئ للمشكلة يعتمد على أن طبيعة الإنسان الشر وما يكبح جماح شره هو العقاب وخوفه منه لا الاخلاق والضمير، وانظري إلى التاريخ وكم من عقوبات شديدة مرت عليه وإن أجدت فعلًا في إيقاف الجرائم، منطق العقوبة لاجل وقف الجرم منطق فاسد وقاصر في عصرنا هذا لأن لا الإنسان أصبح يخشى العقوبة مغلظة كانت أو غير مغلظة، ولا خوفه يمنعه فالنظام الاقتصادي السائد لا يرحم والثقافة السائدة ضد الخوف من العقوبات، بل ان المجرم قد يرى انه على حق وانه على استعداد للموت من أجل ما يراه حقًا، ارتفاع معدل التحرش له اسبابه من كبت جنسي وتأخر الزواج وثقافة ذكورية فاسدة، ارتفاع معدل القتل ناتج عن غياب الامن والاستقرار والثقافة الصحية والتربية، السرقة ناتجة عن ثقافة جشع وفساد واغلب الأوقات ظروف عيش تطحن الفقير حتى لا يجد سبيلًا إلا السرقة.

وجهة نظرك مخيفة صراحة "الأطفال الذين لا يستحقون لقب طفل"؟، انا صراحة ارتعشت في هذه الجملة، من وضع القوانين مدرك لكل ما تقولينه ولكنه يفعل الاصلح للمجتمع، هم فعلا لا يدركون الحياة كاملة، والمجتمع هو المسئول عنهم لأنه هو من شكلهم فهم طينة لينة حتى العشرينات فيبدأوت بتشكيل أنفسهم حقًا -وإن اختلف ذلك من فرد لآخر ولكنه العام، انت ترجعين كل مظاهر الفساد لأمن العقوبة وهو ببساطة سبب اراه بسيطًا جًا على هذه الظواهر المعقدة، اطفال الفقراء والفقراء وسكان بعض العشوائيات الذين تنتشر بينهم الأسلحة البيضاء يأمنون العقوبة؟ راجعي نفسك فأغلبهم لا واسطة له ولا يحزنون.

فإذا علم السارق أن ستقطع يده سيفكر ألف مرة قبل أن يسرق، وإذا علم القاتل أن لامفر من العقاب فلن يقبل على مثل هذه الجريمة، يخلق جيلا فاسدا بلا فائدة، يحتاج هذا الجيل لإعادة تأهيل وتربية من جديد.

ولو علم بوجود العقوبة لفعلها كذلك لأنها ثقافة أكثر منها تعلقًا بالعقوبة أم لا، عدة دول في العالم في القرن الماضي لديها قوانين قطع يد السارق، ولما نذهب بعيدًا، أمريكا بها قوانين إعدام القتلة وانظري كم معدل الجرائم بها.

إعادة التأهيل والتربية إحدى الحلول ولكن ليس التهاون هو من خلق هذا الجيل وإن كان له تأثير فإن قصر الأسباب عليه تعامي عن الحقيقة.

لم يقتصر ذلك على المجتمع فقط ولكن أيضا على مستوى العلاقات الاجتماعية فإذا أمن الأشخاص رد فعلك عند الغضب تجد من يتعدى على خصوصياتك ويتدخل في شئونك

تحليل خاطئ آخر، هو ينظر للبشر على انهم شياطين لا يمنعهم سوى العقاب، انا امن رد فعلك ولن اتعدى على خصوصيتك واتدخل في شئونك، أتدرين لماذا؟ هل لأني أخاف من العقولة؟ هنالك ملايين الاسباب منها الثقافة والاخلاق.

فيزيائيا لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومضاد له في الاتجاه، وهذا ما يجب تطبيقه مع هؤلاء الأشخاص دون رحمة أو شفقة أو تغافل، فنحن نقومهم بالرد عليهم ليدركوا جيدا أخطائهم.

وإن كان مجنونًا أو ناقص عقل؟ إن كان مضطرًا تحت تهديد السلاح؟ ملايين الحالات تتجاهليها لعرض فكرة تأخرية تعيدنا ملايين السنين للخلف، ولا أدري كيف تفلت هذه الأفكار إلى الموقع هكذا دون أن أجد من رد عليها.

وهناك العديد من القضايا التي انتشرت مؤخرا وهزت المجتمع وما كان رد الفعل سوى هاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي، هل ترى هذا رد فعل مناسب؟

تريدين أن ينزلوا ليقتلوا الفتى؟ إن كان اقل من ١٨ عشر عاما فراجعي كلامي الاخير، وإن كان أعلى فأنت ببساطة تدعينا إلى هدم كل ما وصلت له البشرية حتى الآن والعودة لنقطة الصفر حيث الجموع من تحكم وهي من قتلت سقراط.

وماهو الرد المناسب من وجهة نظرك للمشكلة وكيفية التعامل معها

الرد المناسب اصلاح شامل في كل نواحي المجتمع قدر المستطاع، وكل يبدأ بما يستطيع في بيئته ومنزله وغير ذلك، فمثلًا ثقافة المجتمع نعمل على تغييرها لفهم هذه الجرائم ودوافعها الحقيقية لعلاجها، أما الثقافة الحالية عشوائية إنتقامية تريد فقط أن تفرغ غضبها لا أن تعالج قضية وإلا ما وقعت في كل تلك الأخطاء.

أعتذر إن قسوت قليلًا ولكن أحيانًا القسوة تكون مفيدة.

من أمن العقاب أساء الأدب

حسنا، سارتدي قبعة (منظور) قد اغيرها بسرد مواقف مختلفة ،لكن ساذكر معادلة اولا لتمكين الطرح فالموضوع يفترض التالي:

١- هنالك قانون يجب الالتزام به

٢- عقاب يخضع له من خالف القانون

٣- سين من الناس: امن العقاب لعدة اسباب منها: امتلاك الواسطة او السلطة، التخفي (المستخدم المجهول)، او العقاب مقدور عليه (الفائدة من مخالفة القانون تفوق العقاب او الغرامة)

في الاولى سارتدي قبعة الاخفاء. ساكون الناظر من بعيد على الثلاثة:

من امن العقاب: لماذا يستطيع هو القيام بذلك دون غيره. ساحقد عليه.

سانظر ايضا على واضع القانون المستباح وابخسه. 

وسانظر الى القانون ذاته وافقد القدرة على احترام هذا القانون

كلامك صجيح، بل قد يكون العالم للأسف أسوء بمراحل...

الهاشتاج، والصور واللايكس ليسوا أبدًا مظهر للتعاطف فأنهم عالم إفتراضي قد يختفي بين ليلي وضحاها.

أعتقد الحل هو تطبيق قوانين غاية في الحده حتي نستطيع أن نرجع بعض مبادئنا الحميدة، ولا ننسي القوة الناعمة والتي تتمثل في الإعلام والفن السابع من خلال تبني نماذج وأعمال فنية تحث علي الإحترام وتجنب العنف والعودة للجذور الحميدة ...