الافكار المثبّته، التي قبل أن نخرج إلى الحياة، قرروا بشراً قبلنا ترسيخها في عقولنا لئلا نضيف عليها ولا نعيد بها النظر والتفكير بل أثقلوا فوق ذلك كَوَاهلنا بأن نضمن نحت تلك الأفكار في عقول الأجيال القادمة ونقلها كما هي لمن لم يسمع بها. الوقوف والتصدي والمعاداة لمن يعارض تلك الأفكار المقدسة. والمختلف هو المتخلّف ولكي يُسَاعد ويُحمى من تَخلّفه، قد يُقتل لئلا يكون فتنة تقنع الآخرين بالتفكير.

ثوابتاً تجعل العقل ثابتاً، لا يُفكّر بغير كيفية أن لا يفكر، ولا يشغل فكره الا الشعور بالذنب على لحظات فكّر بها، أو قد يكون فكّر دون أن لا يشعر.

تَسنّى لي حواراً بسيطاً مع أحد المُشّردين من بلادهم نتيجة حروب أهلية قاتله وقد لجأ ألى بلداً آمناً ومحايداً. شرح لي حسب منظوره كيف بدأت الحروب، وأسباب تلك الحروب حيث قال أن الحاكم يؤمن بمذهب مختلف عن قومي، لذلك وجد فرصته في قتلنا وتهجيرنا في مشروع تطهير، حيث أن مذهبه يحث على ذلك وهم يكرهوننا ككره الفقر. وقد كان الحاكم عنصرياً، يعطي المناصب الكبيرة لذوي مذهبه وكان يقمع ويسجن ويقتل على مبادئ عنصرية.

كنت أعرف أن العنصرية هي سبب خراب الأوطان قلت له، ما برح قليلاً الا وصرح أنه يتمنى أن يسود مذهبه ودينه العالم كله. حتى تطبّق العدالة كما يراها على الجميع. أما أن تكون على دينه ومذهبه، أو تُذَل بطريقة أو أخرى وقد تُقتل. ويشير بما قال الى أن إلهُه أوحى له بهذه الفكرة ولأهل ذلك المذهب.

لا أدري فعلياً أن كان ذلك الأله قد أوحى له الفكرة فعلاً أم ورثها منحوتةٍ في عقله. لئلّا يفكّر، وينقلها ويدافع عنها.

سألته إذاً ما الفرق بينك وبين حاكم بلادك؟ ما أراه أنه ذو حظ أوفر منك جعله في منصب الحكم. حسب المبداء أنتم متشابهان، هو فعل بك وبقومك، ماكنت لتفعل به وبقومه. هل نستنكر الأسم ونبيح الفعل؟ إذا كانت المشكلة مشكلة أسماء أو ألوان ومذاهب، فلا أراها مشكلة فهناك دولٍ بها تعدد لم يسبق له مثيل ولا تحصل بها المشاكل كما نراها في بلادك.

لا أظن أني الشخص الوحيد الذي يرى أن الاستنكار يوجّه الى الفعل، لا اللون، المذهب أو الأسم. لست أدري إن كنت أنا الوحيد الذي لايهمني من سبق بالقتل الآخر، ولكني أدين القتل وأجرّم الجريمة مهما كان المجرم.

هذا الشخص عدواني لدرجة أن البلاد الذي وفرت له سبل الحماية، يكرهها ويكره مجتمعها. يرجوا ويتمنى اليوم الذي يُذَّلّون شعب هذه البلاد وقادتها تحت حكمه المذهبي.

الفعل جنين الفكر، إذا وجدت شخصاً يفكر كما يفكر هذا الشخص، أسئله أن يقوم ببذل بعض الجهد، هي صعبة جداً، منحوته في عقله وبُرمِج عليها. يفكّر قليلاً. هذا مرض فكري، يجعله منبوذاً ويؤدي الى تشرّده ومن بعده. وأطلب منه أن لا يسافر إلى دولاً أخرى حاملاً معه أمراضه الفكرية وثقافة مجتمعه المريض إذا كان يقتل نفسه. أطلب منه أن يستقر في بلاده ويواجه من ينافسونه بنفس طبقة الفكر، الآخرين هناك لا يريدون منافسته وعلى الأرجح سوف يسخر ويُخسِّر ويكون عالة وعار على الآتين من بعده. أنصحه يترك المجال للمسالمين غيره.