من الذكاء ان يختار الانسان المعارك والنقاشات التي عليه ان يخوضها، قد تبدو الكثير من المجالات مغرية في البداية لابداء الراي فيها والدخول بعنف...

محاولة ان تظهر انك القرد الاذكى في المجموعة وغيرها من الامراض البشرية الطبيعية تدفعك دائما للتوجه الى ساحات النقاش الاكثر ضراوة...

ما المتعة الاكبر من ان تثبت للجميع انك المتفوق والاقوى؟ لا يوجد... سواء كنت متديناً تسعى لاثبات ان رؤيتك للدين هي الصحيحة ام كنت سياسيا تسعى لاثبات انك وحزبك على حق، التفوق والفوز في النقاش هو المتعة الاكبر التي ستجنيها.

وان كنت ممن يرفضون تسميتها بالمتعة، ويعتبرون ان الدخول في هذه النقاش هو واجب انساني عليه ان يقوم به، عليك ان تعترف اولا واخيرا انك تشعر بالقليل من اللذة حينما تفوز وتكسح خصمك تماماً.

ولكن هل تلك المتعة تستحق ان تحشر نفسك في كل شيء؟ هل عليك حقا ابداء رايك في كل المواضيع ومحاولة توضيح انك الافضل، وكل الاخرين على خطأ؟

لنأخذ الموضوع من وجهة نظر اقتصادية... حتى اقوى المحاورين في العالم لا يستطيعون الخروج منتصرين من 100% من النقاشات التي يدخلونها، لماذا ذلك؟

  • سيكون هناك ذلك الشخص الوحيد الذي يقف على نهاية الكفة المقابلة تماما، ولن تستطيع اقناعه بالعدول عن رايه.

  • لن تملك كافة الادلة المقنعة كلها في الكون، لا احد يملك ادلة كافية لاقناع الجميع... سيكون هناك ذلك المشكك دوما في ما تقوله.

بالاضافة لكل الاسباب اللامنطقية الاخرى والتي تستند لكوننا بشر، نخطئ ونصيب... وانه ليس من الصحي ان ينتصر الانسان في كل نقاشاته.

لا تفهمني خطأً، لست ضد النقاش بشكله العام، فهو عملية ضرورية للتقدم البشري، وهوة قوة عظيمة وهبها الله للانسان، اقوى حتى من السلاح والعضلات... ولكن كما تقول ال"كليشيه": مع القوة العظيمة تأتي مسؤولية عظيمة.

لذلك عليك كانسان بشري طبيعي ان تختار معاركك ونقاشاتك بحذر، دون اندفاع استعباطي يوقعك في المشاكل.



لماذا ليس عليك ابداء رايك في كل شيء؟

اعتقد ان محور الموضوع الذي اكتبه يقبع هنا... الاسباب التي ستدفعك للتخلي عن شغفك في حشر انفك في كل مكان، واعطاء رايك ونصائحك للجميع، ومحاولة تحطيمهم ومعتقداتهم ومسحهم عن الخارطة.

حشر انفك في كل المواضيع سيوقعك في كثير من المصائب:

  • ستجد نفسك محاطاً دوما بالاعداء، وستشعر بنفسك وحيدا في هذا العالم، منبوذا من المجتمع.

وعلى الرغم من انها تبدو فكرة رومنسية درامية وبداية لقصة مكسيكية من نوع -كان وحيدا وهذا ما دفعه ليجد حقيقة الحياة- الا انها غير صحية لك ككائن حي، نحن كبشر لا نستطيع العيش في معزل عن المجتمع، ولا يمكن لمن يشعر بنفسه مختلفاً عن الاخرين ان يعيش في المجتمع بشكل صحيح... الحل هو الاحتفاظ ببعض ارائك لنفسك، في سبيل بقائك كشخص مقبول في المجتمع... دون خسارة نفسك الحقيقية. والتحول لفرد اخر من القطيع...

  • ستشكل لنفسك صورة نمطية في اعين الناس.

عندما تكرر افكاراً من نوع ما على الملا سيتشكل لديهم صورة نمطية عنك بحسب الافكار التي تعرضها وتناقش فيها... لفترة ليست بالقليلة تمت دعوتي بالملحد على وسائل التواصل الاجتماعي فقط لكوني ابديت رايي في قضية ما... تعلمت حينها انه لم يكن علي اصلا ابداء رايي فيها، فرايي لن يقدم ولن يؤخر... ولا فائدة من مشاركته على العلن.

  • ستنجر تدريجاً لتصبح احد المناقشين من اجل النقاش لا اكثر.

لن يصبح همك في النقاش هو ان تساعد الطرق الاخر، يكفي ان تشعره بالغباء وتشعر انت بالتفوق لتنهي النقاش، وعلى السوء التي تبدو به تلك العبارة، الا انها في الواقع اسوا باضعاف من الوصف.



كيف تختار نقاشاتك؟

طرح المشكلة دون الحل؟ حسناً انا معتاد على فعل ذلك ولكن ليس في هذه المرة، سأضع بعض الحلول التي نفعت معي شخصيا للتخلص من عقدة النقاش اللانهائي التي كنت اعيشها لسنوات...

  • هل يمكنك توقع سير النقاش؟ اذا كان جوابك نعم فلا تدخل النقاش

لا فائدة من النقاش الذي تعرف اين سيذهب، خصوصا ان كان سيذهب في النهاية لخصومة كبيرة او تراشق شتائم او غيرها.

  • هل بامكانك تغيير قناعاتك عن الموضوع الذي تناقش الناس فيه؟ اذا كان جوابك لا فلا تدخل النقاش.

ما الفائدة من النقاش اصلا ان لم تكن مستعدا لتغيير ارائك... ان تكون مصرا على صحة عقليتك وخطأ عقلية من يقابلك لا يبقى اسم ما تقوم به "نقاش" وانما يصبح "تبشير" بالفكر الذي تحمله.

  • هل تناقش شخصا ذو خلفية معروفة في المجال؟ او على الاقل يستطيع نقاشك بشكل منطقي؟ اذا كان جوابك لا فلا تدخل النقاش.

كل ما يفعله النقاش مع هؤلاء هو فقط اتعابك واستهلاك قدرتك على الصبر والتحمل وجرك الى مجال الشتائم والتقاذف...



المحارب الجيد ليس من يستطيع هزيمة كل خصومه، وانما من يستطيع تحديد معاركه لينتصر دائما او يخرج باقل الخسائر الممكنة.