أيها القارئُ الكريم، انظر إلى ذلك الجارِ القابعَ في برجه العالي كعقابٍ على نفسه، يحدقُ من شرفته كأنما عيناهُ بندقيتان موشومتان بالغيظ، يتلصصُ على نعمةٍ في دارك كأنها جرحٌ في خاصرته! تراهُ يختنقُ إذا سمعَ ضحكاتٍ تفيضُ من نوافذك، وتتشنجُ أناملهُ إذا أبصرَ زائراً جديداً يطرقُ بابك، حتى كأنما نعمتكَ سرقتُ رغيفاً من بين أضلاعه! هذا هو الحسدُ بعينه داءٌ يبني سجناً من المرايا لحارسه، فكلما كبرت نعمةُ المحسودِ بين يديه، صغر هو في عين نفسه حتى يختنقَ بالظل الذي صنعه!

صورةٌ لا تُمحى: الجارُ الذي صارَ سجَّانَ نفسه

تأمل هذا المشهدَ الذي لا يكادُ الخيالُ يصدقه:

يقفُ خلفَ زجاجِ شرفته العالية، عيناهُ مجهرانِ يلتقطانِ كلَّ حركةٍ في دارك، كأنما حياتُك فيلمٌ يُعذبهُ مشاهدته ولا يستطيعُ إغلاقه! إذا اشتريتَ سيارةً جديدةً، يتشققُ وجهه كإناءٍ من الخزفِ ضربه الغيظُ! إذا زاركَ كريمٌ من أهلك، يكادُ أنيابُه تطحنُ بعضها من شدةِ الضغط! وإذا ابتسمَت لكَ الدنيا، تراهُ يفرّ من مجالسِ الأنسِ كمجنون، مخافةَ أن ينفجرَ كقنبلةٍ من الكلماتِ التي كتمها طويلاً في صدره المتآكل! يا للعجب! لقد حوَّلَ قصرَه إلى برج مراقبةٍ يرى منه كلَّ نعمةٍ تأتيك، فلا يرى نعماً في سماء نفسه!

الحسدُ سهمٌ يرتدُّ إلى نحورِ الرامي

ذلك الجارُ المسكين، يظنُّ أنه برصدهِ الدائمِ لمحسودِه، وسعيهِ الخفيِّ لإيذائه، يرمي الأسدَ في عرينه! وهو لا يدري أن كلَّ سهمٍ يطلقهُ من عينيهِ أو لسانهِ أو يديه، يرتدُّ أولاً ليُصيبَ روحَه في مقتل. الحاسدُ يبني بيديه سجناً من الغلِّ، يسقي بستانَ غيرهِ بدمعِ حقدِه فيظل بستانهُ قاحلاً، ويختنقُ بظلِّ نعمِ الآخرينَ حتى ينسى أن في قلبهِ شمساً يمكنُ أن تشرق.

فهل بعد هذا يُعقلُ أن نُسممُ أيامنا بالنظرِ إلى موائدِ غيرنا، ونحنُ جائعونَ إلى نظرةِ رضا في مرآةِ أنفسنا؟! إن النجاةَ ليست في إطفاءِ شموعِ الآخرين، بل في إشعالِ شمعةٍ في ظلامِك.. فإما غبطةٌ ترفعك، أو حسدٌ يهوي بك، وبينهما فرقٌ كفرقِ العطرِ عن العفن!

وانت أيها العزيز القارئ هل تؤمن بالحسد؟

وما الفرق بين الغبطة والحسد؟؟