تابعت مؤخرًا مشكلة الإعلامية مها الصغير بشأن سرقة ملكية لوحات فنية لفنانين من بلدان مختلفة، وما لفتني جدًا، هو تقمصها للكلام وشرح قدراتها الفنية، بل ربطها أيضًا بعاطفة درامية!! كأن تلك اللوحات لها بعد شخصي في حياتها. وهذا أراه عمومًا مع محدودي القدرات، إما التباهي بمستويات احترافية غير حقيقية بالمرة، أو سرقة مجهودات الآخرين بمنتهى الاستحقاقية!! في حين أن أصحاب القدرات الحقيقية يخشون إظهار أي من قدراتهم الفعلية، ويعدّونها لا تُقارن بمن يقتادون بهم من أصحاب الشأن في مجالاتهم، وبالمناسبة كلًا من ضعيفي القدرات والموهوبين فعليًا يتحدوث بنبرة حاسمة (وصدق من منظورهم الشخصي).. فأين المشكلة هنا في وجهة نظركم؟ لماذا لا يتحلى أصحاب القدرات بثقة ضعيفي القدرات في التعبير عن أنفسهم؟
أصحاب القدرات المحدودة لا يخشون التباهي بما لا يمتلكونه
أعتقد أن السبب هو أن الشخص الموهوب بحق يكون مدركًا لحجم المهارة والمعرفة التي يتطلبها المجال فيشعر أنه لا يزال بحاجة إلى مزيد من الوقت أو الجهد قبل أن يتحدث بثقة في المقابل من لا يمتلك نفس القدرات قد يكتفي بالقليل ويظن أنه بلغ مستوى عالٍ فيُظهر ثقة أكبر أحيانًا يكون التواضع دافعًا إيجابيًا لكنه أحيانًا يُصبح سببًا في غياب الصوت الحقيقي والموهبة عن الساحة والمجتمع غالبًا ما ينجذب إلى من يتحدث بثقة حتى لو كان المحتوى الذي يقدمه ضعيفًا لهذا من المهم أن يُدرك كل صاحب موهبة أن التعبير عن قدراته ليس غرورًا بل مسؤولية لأن التراجع أو الصمت قد يترك المجال لغير المؤهلين في تصدر المشهد
أرى في كلامك هذا حقيقة مهمة للغاية، فالوعي بحجم المعرفة والمهارة المطلوبة قد يجعل الموهوب الحقيقي يشعر دومًا بأنه في بداية الطريق، وهذا تواضع أصيل لكنه قد يخفي بريقه عن الآخرين. أما من يفتقد ذلك الوعي فيتحدث بثقة ربما دون أساس قوي، مما يجذب الأنظار ويخدع السامعين أحيانًا.
لذلك التعبير عن الذات بثقة لا يعني غرورًا، بل هو حق ومسؤولية، لأن صمت الموهوب يفتح المجال لمن لا يستحق أن يتصدر المشهد. المهم أن تكون تلك الثقة مصحوبة بالاستمرار في التعلم والعمل الجاد، لتكون صوتًا حقيقيًا وموثوقًا يثري المجتمع.
المشكلة في رأيي ليست في الثقة ذاتها، بل في المرجعية التي تستند إليها هذه الثقة الشخص ضعيف القدرات يستمد ثقته من قدرته على الإقناع أو جذب الانتباه. أما الموهوب، فيستمد تقييمه لذاته من مقارنة نفسه بالكبار، لا بمن حوله.
ولذا، قد يبدو الأول أكثر جرأة، والثاني أكثر تحفظًا وربما حتى انطواءً، ولعل المجتمع له دور أيضًا؛ إذ نعيش في ثقافة تكافئ الصوت العالي أكثر من الجوهر العميق، وتُسلّط الضوء على من يجيدون الترويج لأنفسهم، لا على من يتقنون فعلًا ما يفعلونه بصمت.
الفكرة مع نقطة سرقة المجهودات، هي جرأة نسبها للنفس بمنتهى الطلاقة في التعبير، تلك في رأيي مشكلة خطيرة جدًا!! نعم، لديهم قدرات على الإقناع، أو بالأحرى التمثيل، ويمزجونها بالدراما وبناء القصة وما شابه، حتى يصنعوا قالبًا متماسكًا يبيعونه للناس.. ولكن المشكلة، أن فعلًا الترويج عمومًا -في مجتمعاتنا الحالية- هو نفسه جزء من بناء سمعة احترافية والحصول على فرص مهنية وعملية أفضل، فكيف أصلًا سيكافئ المجتمع شخصًا لا يعلم أي شخص عن مجهوداته وقيمته؟
التعليقات