إلى أي مدى يعكس استهلاك العلامات التجارية وعي الفرد بهويته النفسية والاجتماعية، وهل يمكن اعتبار هذا السلوك مؤشرًا على صحة نفسية مستقرة أم دلالة على احتياج داخلي غير مشبع؟
تُعدّ ظاهرة شراء العلامات التجارية (Brand Consumption) سلوكًا نفسيًا اجتماعيًا مركبًا، يتجاوز فكرة التفضيل الشخصي ليعكس أنماطًا من الدوافع النفسية والحاجات الاجتماعية. من منظور علم النفس الاجتماعي، يرتبط هذا السلوك بالحاجة إلى القبول والانتماء الاجتماعي، حيث يسعى الأفراد، خصوصًا فئة الشباب، إلى استخدام العلامات التجارية كرموز لمكانتهم ضمن جماعاتهم المرجعية. تؤكد دراسة Banerjee & Dittmar (2008) أن الأفراد ذوي التقدير الذاتي المنخفض يُظهرون ميلاً أعلى نحو اقتناء العلامات التجارية الفاخرة، كطريقة لتعويض مشاعر النقص وتعزيز القيمة الذاتية أمام الآخرين. ويعزز هذا التوجه ما توضحه نظرية "القياس الاجتماعي لتقدير الذات" (Sociometer Theory)، والتي تفترض أن التقدير الذاتي يتأثر بإشارات القبول الاجتماعي، وغالبًا ما تُستخدم المظاهر المادية كوسيلة لضمان هذا القبول. من جهة أخرى، تشير نظرية الهوية الاجتماعية (Tajfel & Turner, 1986) إلى أن الأفراد يسعون إلى الانتماء إلى مجموعات مرموقة لتحسين صورتهم الذاتية، ويُعد استهلاك العلامات التجارية وسيلة فعالة لذلك، خاصة في الثقافات التي تعطي قيمة عالية للمظهر الخارجي. أما على مستوى الهوية الفردية، فتبرز دراسة Belk (1988) حول "الذات الممتدة"، حيث يرى أن المقتنيات المادية، ومنها الماركات، تصبح امتدادًا لهوية الفرد وتعبيرًا عن ذاته المدركة. وتُظهر دراسات أخرى (مثل Han, Nunes, & Drèze, 2010) أن العلامات التجارية تعمل كإشارات غير لفظية للمكانة الطبقية، مما يعمّق الفجوات الاجتماعية ويُنتج ضغوطًا نفسية على الأفراد الأقل قدرة مادية. كما تلعب الإعلانات دورًا مهمًا في تعزيز هذه الظاهرة، إذ تربط بين المنتجات الفاخرة ومفاهيم النجاح، الجاذبية، والثقة بالنفس، كما تبيّن في دراسة Richins (1994). ويُظهر Rucker & Galinsky (2009) أن الأفراد الذين يشعرون بانخفاض القوة أو السيطرة الاجتماعية يميلون إلى تعويض ذلك من خلال استهلاك مفرط للماركات. في المجمل، لا يُعد شراء الماركات سلوكًا سلبيًا بحد ذاته، لكنه يصبح إشكاليًا حين يتحوّل إلى وسيلة تعويضية لمشاعر داخلية غير مشبعة، أو عندما يُستخدم لتثبيت قيمة الذات اعتمادًا على المظاهر. الوعي بالدوافع النفسية الكامنة وراء هذا النمط من الاستهلاك يُعد خطوة ضرورية نحو اتخاذ قرارات شرائية أكثر توازنًا واستقلالًا.
أخيرا ... في حين أن سلوك شراء الماركات قد يتحول لدى بعض الأفراد إلى وسيلة لتعويض نفسي غير مباشر أو استجابة لضغوط اجتماعية غير مدركة، إلا أنه قد يكون قرارًا واعيًا مبنيًا على معايير منطقية كالجودة أو الذوق الشخصي. لذلك، فإن فهم الدوافع الكامنة وراء هذا السلوك يساعد على تعزيز الوعي الذاتي، ويُمكّن الفرد من التمييز بين ما يعبّر فعليًا عن حاجاته الحقيقية، وما هو انعكاس لتأثيرات خارجية. إن تبنّي هذا الفهم يساهم في الوصول إلى توازن نفسي واستهلاكي صحي، يُراعي الاحتياجات الحقيقية دون الانجراف خلف المؤثرات الاجتماعية أو النفسية غير الواعية. فكلما زادت قدرة الفرد على التمييز بين حاجاته الحقيقية وتأثير العوامل النفسية و الإجتماعية ، كلما أصبح استهلاكه أكثر اتزانًا واتساقًا مع قيمه الذاتية.
التعليقات