الأبناء عند الانفصال من حق الأب مثل الأم بالضبط

أعتقد ان تعلق الأبناء بالأم أمر طبيعي، لأنها في أغلب الأحيان تقضي وقتا اطول بكثير مع الأبناء مقارنة بالأب، ولا يمكن أن يتم إجبار الأبناء على الشعور بغير ذلك، خصوصا اذا كانوا صغار لأنهم لن يفهموا فكرة أن الأب يكافح في الخارج لكي يوفر لهم معيشة كريمة ولذلك لا يقضي معهم الكثير من الوقت. وأيضا لهذا السبب أعتقد أن الأم هي الأحق بأن تاخذ الأبناء، لأنها تكون أكثر قدرة على الاعتناء بهم على عكس الأب الذي غالبا سيكون مشغول عنهم، لكن هذا لا يعني أن يتم منعه من رؤيتهم أو أن تقوم الأم بتحريض الأبناء ضده، فكل هذه السلوكيات غير مقبوله على الاطلاق

سؤال عجيب فعلاً، إنها الفطرة! هل نفعل شيئاً أمام هذه الفطرة الطبيعية التي تجعل الأطفال يميلون إلى الأم أكثر؟ هي علاقة خاصة متجذرة منذ الولادة، والحب بين الأم وأبنائها له طابع مختلف، لكن هذا لا يعني أبداً أن الأب أقل أهمية أو دوراً، فالمشكلة ليست في من يحب أكثر، بل في كيفية توازن الأدوار والحقوق بحيث يشعر الأبناء بالحب والعدل من كلا الطرفين، وهذا يحتاج إلى مجهود من الجميع، لا أن تُحرم العلاقة مع الأب أو يُغفل دوره.

قد أختلف قليلًا مع فكرة أن الأب دومًا يبذل جهدًا مشابهًا للأم في تربية الأبناء فالحقيقة أن العلاقة العاطفية بين الطفل وأمه لا تُبنى فقط على حجم العطاء بل على نوعيته ووجوده المستمر فالأم حاضرة يوميًا بتفاصيل الطفل بحنانه واحتوائه وقربه منها منذ اللحظة الأولى وهذا القرب العاطفي يصعب على أي طرف آخر تعويضه أو منافسته حتى إن بذل جهدًا كبيرًا في جوانب أخرى الأب بلا شك له دور مهم جدًا وأحيانًا محوري ولكن من الظلم مساواة الجهد النفسي والعاطفي الذي تقدمه الأم بالجانب العملي أو المادي الذي غالبًا ما يُسند إلى الأب فالمحبة لا تقاس بالعدل بل بالدفء وهذا ما يفسر تعلّق الطفل الفطري بأمه وليس بالضرورة ظلمًا للأب

ما دامت القضية تُعالج ضمن نطاق "القانون المدني"، فنحن أمام تشريعات وضعية تتصرف وكأنها تعرف مصلحة الإنسان أكثر من خالقه. هذه القوانين، مهما حسُنت نوايا مشرّعيها، تفتح الباب واسعًا أمام التقدير الشخصي للقاضي، خاصة في قضايا الحضانة، حيث يُقرر من يبقى معه الطفل—الأب أم الأم—استنادًا إلى معايير مرنة تخضع لتأويل السلطة التقديرية.

لكن السؤال الذي نغفله كثيرًا هو: لماذا يختزل القرار بين طرفين فقط؟ أين الجدة؟ أين الجد؟ أين العائلة الأوسع؟ لماذا لا نرى الطفل ككائن محاط بدائرة أكبر من الأب والأم؟ هل من المنطقي أن يُستبعد أقرباء يمكن أن يوفّروا بيئة أكثر توازنًا وأقل تصادمًا؟ خصوصًا عندما لا يكون الطفل رضيعًا وتتوفر بدائل أسرية حانية.

المشكلة الأكبر أن طرفي النزاع في محاكم الأسرة غالبًا ما يكونان غير محايدين. لكلٍ منهما مصالح مادية ترتبط بحضانة الطفل. فإن بقي الأطفال مع الأم، وجبت النفقة ورؤية مشروطة بالقانون، وإن انتقلت الحضانة للأب، خسرت الأم هذا الامتياز المادي. وهكذا، يتحول الطفل إلى وسيلة ضغط، ورقة مساومة تُلوَّح بها في أروقة القضاء.

إن الحل لا يكمن فقط في تعديل المواد القانونية، بل في إعادة النظر في البُعد الأخلاقي والاجتماعي للحضانة. لماذا لا يُلزم القانون بإشراك طرف ثالث من الأقارب الكبار في مرحلة الوساطة؟ لماذا لا تسبق المحاكمة لجنة اجتماعية حقيقية تفكر في الطفل لا في الخسائر المالية؟

أما آن الأوان أن ننقل منظور الحضانة من "حقوق الأب والأم" إلى "حق الطفل"، وأن نُعيد للأسرة الممتدة دورها، وأن نُحيي قيمًا كدعم الجدات، ورقابة الأقارب، قبل أن نضع الطفل على طاولة المحامي.

أعتقد أنه إذا تم تربية الأطفال تربية سوية وعاملهم الأب بحب وحنان وقدم لهم الاهتمام فسيتعلقون به نفس تعلقهم بالأم ورأيت حالات مشابهة على أرض الواقع.

أما بالنسبة للحضانة فأعتقد أن الأمر هنا له علاقة بالصور النمطية والأدوار التقليدية المجتمعية للأب والأم، فالأم غالبًا ما تكون الأكثر تواجدًا مع الأطفال والأكثر قربًا وتقديمًا للرعاية والعناية، ومن رأيي أنه يجب التوصل لاتفاق جيد خاص بالحضانة بما يناسب الأطفال عند الانفصال، لكن للأسف في كثير من الحالات غالبًا ما يترك الأب الأطفال للأم وفي بعض الحالات قد ينفصل عنهم مثلما ينفصل عن أمهم وكأنه طلق الأطفال معها.