كنتُ لسنوات أعتقدُ أن الذكاءَ هبةٌ فطريةٌ تولدُ مع الإنسان، تُحدِّدُ نجاحه أو فشله منذ أولِ نفس. كان هذا الاعتقادُ قيداً ثقيلاً عطَّلني عن خوضِ تجاربَ جديدة؛ فلماذا أحاول إن كنتُ "غيرَ موهوب"؟ لكني اكتشفتُ لاحقاً أن الذكاءَ بستانٌ يُزرعُ لا كنزٌ يُورث، وأنَّ تغييرَ قناعاتي فتحَ لي آفاقاً لم أتخيَّلها.

● الذكاء الفطري: مجرد بذور

صحيحٌ أنَّ الناسَ يولدون باستعداداتٍ فطريةٍ متفاوتة، كسرعةِ البديهة أو حساسيةِ السمع، لكنَّ هذه ليست ذكاءً ناضجاً. إنها أشبهُ ببذورٍ تحتاجُ إلى تربةِ الخبرة، وضوءِ المعرفة، وماءِ المثابرة. فمَن يملكُ "موهبةً" في الرسم ولا يرسم، ستبور بذرتُه، ومَن لا يملكها لكنه يتدربُ بذكاء، سيُثمرُ إبداعاً.

● كيف ألهمني الذكاء الاصطناعي؟

لطالما ظننتُ أن الوعيَ شرطٌ لاكتسابِ الذكاء، حتى رأيتُ "التعلُّم الآلي". هذه الأنظمةُ لا تعي نفسَها، ولا تملكُ ذكاءً فطرياً، لكنها تتحولُ من عاجزةٍ إلى عبقريةٍ في شهور! السرُّ؟ الخبراتُ المتراكمة. كلُّ تجربةٍ (بيانات) تُضيفُ طبقةً لذكائها. أليس هذا برهاناً أن الذكاءَ جوهره اكتسابُ المهارات؟

● من الفطري إلى المرن: ثورة العلم

تقول نظريةُ "المرونة العصبية": عقولُنا قابلةٌ للتشكيل طوالَ العمر. دراسةٌ لجامعة ستانفورد أثبتت أن تدريبَ الذاكرةِ ٨ أسابيعَ يرفعُ معدلَ الذكاءِ ١٠ نقاط! والأهم: الذكاءاتُ المتعددة (كالعاطفي والاجتماعي) تُبنى بالخبرة. حتى "عباقرة" كأينشتاين لم يولدوا بمعادلاتِ النسبية، بل اكتسبوها عبر محاولاتٍ فاشلةٍ أولاً.

● خلاصة: الذكاء قرارٌ لا قدر

لم يعد الذكاءُ حكراً على "المختارين فطرياً". هو قرارٌ بالتجريب، والصمودِ أمام الفشل، والاستفادةِ من كلِّ خبرة. كما أن الذكاءَ الاصطناعيَّ يصيرُ أقوى كلما زادت بياناتُه، أنت تصيرُ أذكى كلما وسَّعتَ مداركك. فقط ابدأ الآن، واذكر أن كلَّ عبقريٍّ كان مبتدئاً خائفاً.

》 "الذكاءُ ليس إلّا ما نصنعه منه" — كارول دويك (عالمة النفس ومبتكرة "عقلية النمو")