يعاني الكثير من الآباء من طلبات أبنائهم التي لا تنتهي ورغبتهم المستمرة في شراء ألعاب جديدة، حتى وإن كانت خزائنهم تغص بمقتنيات لا يكادون يستخدمونها.
من خلال ملاحظاتنا وتفاعلاتنا مع هذه النماذج، نرى أن الميل نحو ربط التفاعلات الإنسانية بقيم مادية يترسخ لدى الأفراد منذ الطفولة المبكرة. يبدأ هذا الأمر في محيطهم الاجتماعي، حيث يتعلمون بالتقليد. فالأهل، دون قصد في الغالب، ينقلون هذه النظرة إلى أبنائهم من خلال سلوكياتهم اليومية وطريقة تقييمهم للأمور.
يتطور لدى هؤلاء الأطفال ما يمكن تسميته بـ "الفكر المادي"، حيث تصبح القيمة المالية هي المعيار الأساسي لتقييم الأشياء والأشخاص والأحداث. تتحول الحياة في نظرهم إلى سلسلة من المشاريع المالية التي تُقبل أو تُرفض بناءً على المنفعة المادية. وغالباً ما يتسم هؤلاء الأفراد بالحذر الشديد في الإنفاق، حيث يرون أن كل مبلغ يُدفع يجب أن يكون له مبرر اقتصادي واضح.
هذا النمط الفكري ينتقل عبر الأجيال من خلال ما يعرف بالنمذجة في التعلم الاجتماعي. فالأطفال، في سنواتهم الأولى تحديداً، يراقبون بدقة كيف يقيم آباؤهم كل شيء بمنظور مادي، ويقلدون هذه السلوكيات ليصبحوا نسخاً طبق الأصل منهم في المستقبل. وحتى في تعامل الآباء مع أبنائهم، يسود نفس المفهوم المادي، حيث يفضل الطفل المكافآت المادية مقابل إنجاز مهام معينة، مما يعزز لديه ربط الأفعال بقيمة مالية.
ومع ذلك، نرى أنه في بعض الحالات النادرة، قد يظهر الميل المادي لدى طفل ينشأ في بيئة غير مادية. يعود ذلك إلى نزعات شخصية فردية مثل حب التملك والسيطرة والحرص المفرط. في مثل هذه الحالات، يصبح من الضروري جداً أن يتنبه الأهل لهذه الميول في سن مبكرة وأن يسعوا لتعديل سلوك الطفل. هناك العديد من الأساليب المتاحة، بما في ذلك تعزيز السلوكيات الإيجابية غير المادية وتجاهل السلوكيات المادية.
من خلال استطلاعاتنا، لاحظنا أيضاً أن هناك عوامل أخرى تساهم في ترسيخ الفكر المادي، مثل انتقال بعض الصفات الوراثية والسلوكية من الآباء إلى الأبناء، بما في ذلك الحرص في الإنفاق. بعض الممارسات التربوية، مثل عدم تلبية احتياجات الطفل بشكل دائم أو التركيز المفرط على التوفير، قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
نعتقد أن المبالغة في التركيز على الجوانب المادية قد تخلق لدى الأبناء اعتقاداً بأن قيمة الشخص تقاس بما يملكه من مال، وقد يؤدي ذلك إلى مشاكل نفسية واجتماعية. فقد يصبح المال هدفاً بحد ذاته، حتى على حساب السعادة والعلاقات الإنسانية.
لذا، نؤمن بأهمية تبني استراتيجيات لمكافحة هذه النزعة المادية لدى الأطفال. من الضروري تعزيز قيمة الامتنان لديهم، وتشجيعهم على تقدير التجارب الإنسانية والعلاقات بدلاً من التركيز على المقتنيات المادية. كما أن القدوة الحسنة من الأهل تلعب دوراً حاسماً في غرس قيم الكرم والعطاء وتقدير الآخرين. إن مدح الطفل على سلوكياته اللطيفة والكريمة، مع التأكيد على أهمية الأشخاص لا الأشياء، يساهم بشكل كبير في بناء شخصية متوازنة.
كيف تتجنب تنشئة طفل مادي؟
إنشاء ملخّص صوتي
التعليقات