"إذا حكمت السمكة بقدرتها على تسلق الشجرة فستظن طوال حياتها بأنها غبية"، لماذا يقلل الكثيرون من إمكانياتهم ويستخفون بها؟

أعتقد أن أحد الأسباب التي تدفع الأفراد إلى التقليل من قدراتهم هو أنهم ينظرون إلى النجاح وكأنه حكر على فئة معينة من الناس، فيقنعون أنفسهم بأنهم ليسوا من بين هؤلاء، وأحيانًا يربط الإنسان قيمته بإنجازات سريعة أو نتائج فورية، فإذا لم تتحقق يبدأ يشك في نفسه، وهناك من تربى على فكرة أن التواضع يعني إنكار الذات، فيخلط بين التقدير الحقيقي للنفس وبين الغرور، وأحيانًا أخرى يكون السبب هو عدم تلقّي الدعم أو التشجيع في اللحظات المفصلية من الحياة، فينشأ شعور داخلي بأنهم لا يستحقون الوصول أو التميّز، حتى لو كانوا قادرين عليه.

المشكلة تكمن في ثقافة النتيجة النهائية، حيث لا يُحتفى بالتقدم الجزئي ولا يُعترف بالمجهود كقيمة في حد ذاته. وفي بيئات كهذه، يبدأ الإنسان في تبني نظرة الآخرين لنفسه، فيقارن ذاته بمعايير لا تمثله، ويصبح كمن يُقاس بميزان ليس مخصصًا له.

فعلى سبيل المثال، هذه الموجة من الشباب الطامحين لأن يحصلوا على لقب "رائد أعمال" فيبدأ في عمله الخاص، وحين لا ينجح أو يكون نجاحه بطيئًا فإنه قد يقارن نفسه بشركة لشاب في مثل عمره، ولكنه يجهل أن هذا الشاب يدير شركة عائلية وأنه وُلد في ظروف لا تشبه ظروفه،.. إلخ.

وهنا تبرز أهمية البيئة الداعمة كذلك، والمحيط الإيجابي الذي يُحفّز ويذكرنا دومًا بأن الهدف هو النمو لا الكمال، ويحتفل بالمحاولة لا فقط بالنجاح النهائي. ومن زاوية عملية، كثير من المبدعين الذين قادوا التغيير لم يكونوا الأفضل على الورق، لكنهم آمنوا بإمكاناتهم، واستمروا في التطوير دون انتظار التصفيق. 

ربما لا يكون الاستخفاف بالقدرات دائمًا مرضًا كما يُصوَّر، بل قد يكون في بعض الحالات تمردًا صامتًا على فكرة النجاح كما يفرضها المجتمع—نجاح لا يُقاس إلا بالأرقام والنتائج، لا بالنية ولا بالرحلة. أحيانًا، يقلل الإنسان من شأن إنجازه لأنه لا يرى ذاته في الصورة التي يفرضها عليه الآخرون. وأحيانًا يكون وعيه بذاته أكثر دقة مما يتصوره من حوله، فيرى الثغرات التي لا تُرى، ويحاكم نفسه بمعايير داخلية صارمة لا يبوح بها.

وهناك من يرفض الاعتراف بموهبته خوفًا من المسؤولية التي تأتي معها، كأن الاعتراف يعني بداية طريق لا عودة منه، طريق تتطلب منه أن يصبح شيئًا أكبر من مجرد نفسه. وربما لهذا السبب يختار أن يبقى في ظل إمكانياته، حيث لا توقعات، ولا خيبات.

متى يتحوّل الاعتراف بالقدرات من حافز للنمو إلى عبء يخشى الإنسان أن يُطالَب بترجمته؟