يتسم الدماغ البشري، كما نحب أن ندّعي، بقدرات هائلة. فالحيوانات الأخرى يُمكنها أن تستخدم الأدوات أو أن تخرج من المتاهات، ولكن هل يمكنها أن تخترع أجهزة الحواسيب أو أن تكتب القصائد الشعرية مثلما يفعل البشر؟ إلا أنه على الرغم من براعتنا العقلية الاستثنائية، فليس من السهل تفسير ما يجعل الدماغ البشري مميزا لهذه الدرجة. إذ يصل وزن دماغ الإنسان إلى نحو 1.5 كجم، أيّ ما يعادل نحو ثُلث وزن دماغ الفيل وخُمس وزن دماغ حوت العنبر.

ومع ذلك، إذا أخذنا حجم الجسم في الاعتبار، فإن أدمغتنا كبيرة بشكل غير عادي، إذ يتجاوز حجم الدماغ البشري ما بين سبعة وثمانية أضعاف ما يمكن توقعه للثدييات في حجمنا نفسه. ولكن هذا القياس البدائي لا يكفي لتفسير ذكائنا. فعلى سبيل المثال، نسبة حجم الدماغ إلى الجسم القرد الكبوشي أعلى من الغوريلا، ومع ذلك تعتبر الغوريلا أكثر ذكاء.

يبدو تقلّص الدماغ مع مرور الزمن أمرا مثيرا للغمّ؛ غير أنّ هناك بعض الأخبار السارّة. فرغم أنّ معظم خلايا الدماغ تنشأ وتتكوّن بُعَيد الولادة، فإنّ بإمكان أدمغتنا توليد أنواع معيّنة من الخلايا العصبيّة حتّى سنّ التسعين والعقد العاشر من العمر. قد تشرح هذه القدرة إلى حدٍّ ما سبب كون أدمغة البعض تنجح في مقاومة ويلات الشيخوخة.

هناك طرق أخرى لتحسين الاحتياطيّ الإدراكيّ. من أفضل تلك الطرق مواصلتك التعليم طوال حياتك؛ غير أنّ هناك أمورا أخرى تساعد على ذلك، منها العزف على آلة موسيقيّة، والتفاعل الاجتماعيّ، والحصول على قسط وافر من النوم، وإتقان أكثر من لغة. رغم هذا، لا تركن إلى هذا وتعتمد عليه كثيرا؛ فقد اتّضحت صحّة المثل القائل "العقل السليم في الجسم السليم".

يقول ستيف هاريدج، مدير مركز العلوم الفسيولوجيّة الإنسانيّة والتطبيقيّة في كينغز كولدج لندن (كلية الملك بجامعة لندن)، إنّك "لو كنت تتطلّع إلى الحفاظ على صحتك العقليّة فأنت بحاجة إلى التدريب والتمرين". يُحدِث التدريب المنتظم تحسينات ملحوظة في الذاكرة والانتباه وسرعة المُعالَجة والوظائف التنفيذيّة مثل التخطيط وتعدّد المهام. اكتشف ريتشارد هينسون وزملاؤه في جامعة كامبريدج البريطانيّة أنّ الأشياء التي نفعلها في منتصف العمر –خارج إطار العمل والتعليم– تسهم مساهمة فريدة في تحسين صحّة الدماغ عند تقدّم العمر. إلّا أنّ الأنشطة التي يزاوِلها المتقاعدون في آخر عمرهم لها تأثير أقلّ. يقول هينسون إنّ "منتصف العمر يبدو وقتا مناسبا للتدخّل؛ من أجل دفع الناس إلى المساهمة في المزيد من الأنشطة –الجسديّة والفكريّة/الذهنيّة والاجتماعيّة– التي قد تكون لها آثار مبشّرة لهم بعد 20 أو 30 عاما".