يقول المفكر زكي نجيب محمود أن العقل العربي يميل بشكل كبير إلى العاطفة والعبارات التي تثير وجدانه، وتقليل الاعتماد على العبارات التي تخاطب عقله وليس عاطفته، حتى عند عقد مقارنات بين الدول الأوروبية والعربية نجده يقول إنه -على الأقل- في أوطاننا نهتم ببعضنا البعض ليس مثلهم فالشخص لا يعرف شيئا عن جيرانه! ولا يحاول رؤية التقدم العلمي مثلا الذي لديهم. رغم أنه لو فكر في هذه الحجة يجد أنها موجودة لدينا أيضا اليوم فالشخص في المدن لا يعرف جيرانه، وهذا ليس له علاقة بدولة معينة ولكن هذا له علاقة بطبيعة الحياة نفسها! فكيف ترى هذه المقولة ولماذا يميل الفكر العربي إلى العاطفة؟
العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة أشد ميلا بحكم ثقافته إلى العبارات المثيرة للوجدان، منه إلى العبارة المستندة إلى عقل... ما رأيك في هذه المقولة؟
أعتقد أن هذا تغير الآن بشكل كبير، خاصة مع إنتشار النزعة النفعية البرجماتية ما بين أبناء الوطن العربي؛ فمعظم ما تربينا عليه قديما من مبادئ وعادات، نلاحظ ندرة وجوده اليوم، كمساعدة المحتاج، والمروءة، ومناصرة الحق والمظلومين، وغيرها من الصفات التي ميزت الشخصية العربية قديما!
وحول ذات الموضوع يرى المفكر محمد عابد الجابري في كتابه "تكوين العقل العربي، أن العقل العربي يفكر بطريقة معيارية تقوم على إختزال الأشياء في قيمتها فتضيق ولا يبقى لها مجالا للتحليل أو بعد النظر. وقليلا ما يتمكن من فعل العكس وهو التفكير بطريقة موضوعية وتحليل الأشياء من حوله!..
وبرأيي ذلك الميل الواضح للمشاعر والروحانيات يمكن إرجاعه لعدة أسباب:
- التأثر بالخطاب الديني النظري، أكثر من التطبيقي.
- التعلق بالغيبيات والماورائيات
- عدم تشجيع التفكير الناقد والإختلاف بوجهات النظر.
أن العقل العربي يفكر بطريقة معيارية تقوم على إختزال الأشياء في قيمتها فتضيق ولا يبقى لها مجالا للتحليل أو بعد النظر
هذه الجملة بالإضافة للأسباب الخاصة بها هي إصابة مباشرة لهدف الموضوع، ويمكنني إضافة سبب هو بالأحرى نتيجة لكل تلك الأفكار، وهو تبني عقلية الخوف، خوف من التساؤل، خوف من الفهم والرؤية، خوف من الحقيقة أحيانًا، خوف من إدراك أننا على خطأ، خوف من المبادرة بأي خطوة خارج الإطار المرسوم.. وهكذا، هذا يؤدي لتحويل مسار أي نقاش واسع الأفق إلى مناطق مسدودة (دينية- سياسية- أخلاقية- اجتماعية) وفجاة يتحول الأمر إلى موضوع منتهي لا يحتاج حتى للتناقش، وفي رأيك لما هذا التعلق بموضوع الغيبيات والماورائيات؟
وفي رأيك لما هذا التعلق بموضوع الغيبيات والماورائيات؟
أظنه ناتج عن تراكمات ثقافية واجتماعية منذ مئات السنين..
فبالرغم من اهتمام الغرب قديما بالأساطير والماورائيات هو الاخر، إلا أنه نحا بتلك الخرافات منحا علميا تطبيقيا أكثر، حتى أنه قد أضفى طابعا علميا على الجهود البحثية في الماورائيات أو الميتافيزيقا! ..
أما شرقنا السعيد، فظل غارقا بأساطيره السحرية، بل وراح يضفي ذلك الطابع الاسطوري على المخرجات العلمية نفسها!
إلا أنه نحا بتلك الخرافات منحا علميا تطبيقيا أكثر، حتى أنه قد أضفى طابعا علميا على الجهود البحثية
ا شرقنا السعيد، فظل غارقا بأساطيره السحرية
ألا تجدي في ذلك تجلي واضح لموضوع "عقدة الخواجة"؟ أي أننا دائمًا في نثق في علوم الغرب حتى لو كانت تفسر أمورًا لا يمكن تصديقها بأي شكل، بل ونجد لهم مبررات لذلك، نقول "ربما لا يزال ينقصهم بعض الأبحاث"، "سيأتي أحدًا لاحقًا ويظهر النتائج الحقيقية"، في حين أننا لا نملك نفس الثقة في قدراتنا البحثية، ونرى أننا فقط متأخرين، ولا نؤمن بجودة أي بحوث عربية، إلا إذا حازت على اهتمام وإشادة الغرب، فلما هذا التحيز في رأيك؟
بالنسبة الأمثلة التي ذكرت، فاعتقد أن الشعوب في المجمل تميل إلى مخاطبة الوجدان واللحظات الحماسية، والأمر ليس متوقفًا فقط على الشعوب العربية. خاصة إن كنا نتحدث عن الجموع في وقت واحد أو ما يمكن أن تسميه بسيكولوجية الجماهير وما أكثر المفوهين الذين يقنعون الجمهور بكلام خالٍ من المنطق.
بالنسبة لكل فرد بعينه، فالأمر مختلف قليلًا، لا أجد أن الأفراد العرب ميالون للأمر بشكل مطلق، لكن لا يمكنني أن أخالف أنهم متعصبون لارائهم بشكل أكبر ورافضون للنقد، وهذا يسبب الحمية التي قد تجعلهم هدفًا سهلًا للشعارات التي تخاطب الوجدان وليس العقل، خاصة في الأمثلة التي ذكرت حيث يكون للشخص بالفعل رأي مسبق يحاول الدفاع عنه
أراها صادقة جدًا، بل وأحيانًا يكون مخاطبة العاطفة مقصود لإلهاء العقل عن رؤية الواقع واتخاذ قرارات بشأنه، مخاطبة العاطفة جيدة ولكنها بمفردها. في المثال الذي ذكرته عن الهجرة، نعم، أتفق أننا كمصريين نميل لأجواء العائلة والتجمعات وكل ذلك، ولكن جزء من تلك الصورة أصلًا مبني على حنين للماضي وتوقعات اجتماعية لا تتحقق في الواقع بنفس الشكل، وفي نفس الوقت تخوف من فكرة البعد والهجر والتواجد في وسط شعوب جديدة وثقافات لا نعرفها، هل سنتمكن من التكيف أم لا؟ ماذا سنفعل مع وجود أجندات وأفكار لا تناسبنا؟ ماذا لو لديك أبناء، أمر مرعب، أليس كذلك؟ طبيعي إذا وازنت الكفتين مع بعضهما من الناحية العاطفية فقط، ستميل للبقاء مع ما تعرفه وتكيفت معه، بالمناسبة الأسئلة التي طرحتها أفكر فيها بشكل شخصي في بعض الأوقات.
إذا وازنت الكفتين مع بعضهما من الناحية العاطفية فقط، ستميل للبقاء مع ما تعرفه وتكيفت معه،
العديد من الأمثلة الشعبية بالفعل تؤكد هذه المقولة، والانقياد العاطفي بصورة كبيرة، ولكن متى نتخلص من هذه العقلية، لا أقول بشكل نهائي ولكن على الأقل هل هنالك تغيير في المجتمع ولو بصورة بسيطة رأيتيه من مشاهداتك للحياة والمجتمع؟
يقول المفكر زكي نجيب محمود أن العقل العربي يميل بشكل كبير إلى العاطفة والعبارات التي تثير وجدانه، وتقليل الاعتماد على العبارات التي تخاطب عقله وليس عاطفته،
لأنه لم نتعرض بعد لصدمة كبيرة تَحملنا على الثورة على مفاهيم تقليدية غير منطقية، وتفكيك منظومة فكرية بائدة تقوم على التشبث بالمسلمات وإقصاء العقل والتفكير الحر. والاتجاه نحو تبني التحليل العقلاني المسنود بأدلة وبراهن منطقية.
لازال الطريق أمامنا طويلا.
لا أرى أننا لم نتعرض إلى صدمة كبيرة ولكن نهرب أصلا من أي صدمة ونهاجمها حتى نجعل المتحدث بها يعدل عنها أو ينفر من أي محاولة للتغير، كل ما أتذكر محاولات العديد لهدم هذه الصورة ولكن يتم نبذهم أو الحكم عليهم بعقاب مجتمعي، يؤكد لي مقولة زكي نجيب محمود.
التعليقات