في الحياة، هناك أشياء تجعل الإنسان يشعر بأنه حي، أشياء تعطيه هدفًا ومعنى. بالنسبة لي، القراءة تجسيدٌ حيٌّ لتلك الأشياء. فهي ليست مجرد هواية أو تسلية، بل جزءٌ لا يتجزأ من حياتي وشخصيتي. فالقراءة هي ملاذي الآمن وصديقي، وأداة من عَلم آخر تساعدني في استكشاف ذاتي والعالم من حولي.

أذكر بوضوح تلك اللحظة الجميلة حينما فتحت صفحات رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ. شعرت حينها وكأني أغوص في أعماق بحر لا قاع له، ثم أرتفع محلقًا خارج الغلاف الجوي للأرض. كل كلمة كانت تلامس روحي، وتعبر عما يجول في خاطري. لم أشعر بسعادة تغمرني كهذه في حياتي، ومنذ تلك اللحظة، لم أكف عن استكشاف عوالم الأدب.

درست الأدب الإنجليزي والتاريخ، شغوفًا بفهم تفكير الإنسان عبر العصور، فانسابت روحي إلى قلب التاريخ القديم، صعودًا إلى عالمنا الحالي. اغتنيت من الأدب العربي والإنجليزي والإسكندنافي، وتعمقت معرفتي بتواريخ وأسرار شكسبير. ومع كل درس ونص، كان ينفتح أمامي أفقٌ جديد، يقربني خطوة نحو هدفي المنشود. لذلك، ما زلت ولسوف أظل حتى آخر العمر أقرأ وأبدع، أصنع أدبًا وفنًا يعكس روحي في حروف تتشابه أصداؤها مع أرواح البشر جميعًا.

وفي النهاية، يمكنني القول إن القراءة والأدب والفنون ليسا مجرد وسائل ترفيهية، بل تعبير عن جوهر الحياة نفسها. القوة الدافعة التي تساعد الأفراد والمجتمعات على النمو والتطور، والاكتشاف، والتعبير عن ذواتهم وثقافاتهم، وتدوين تاريخهم ليعرفه المستقبل من بعدهم. سحر يجعل الحياة أكثر عمقًا وثراءً، ويمنحها معنى يتجاوز حدود الواقع المادي. الأدب والفنون هما الروح التي تُثري الوجود، وتضيف إليه بُعدًا جماليًا وفكريًا لا يمكن لأي شيء آخر أن يقدمه.