"إذا فسدت البيئة فلا بد للإنسان أن يحتمي بعقله"، كيف ذلك؟

بالتأكيد ليس بتخفيف الاستهلاك، فهذه دعوات في تلك الفترة تتماشى تماماً مع الحالة الاشتراكية التي كانت تسود في المناخ العربي بالتأثر بالأفكار الشيوعية وخاصة في سوريا أيضاً بلدي، في الحقيقة هناك طرق أخرى ليحمي الإنسان عقله ونفسه في المجتمع الفاسد وأقترح أن يكون هذا الحل هو السفر من هذه البيئة، خطة الهروب دائماً هي الخطة الأنجح لمواجهة كل مشكلة بيئية مجموعية وهذا رأيناه في الكثير من القصص التاريخية ككل المجموعات التي تنزح عن البيئة التي كانت تعتاش فيها بسبب كثرة الفساد فيها وتنتقل إلى مجتمعات أفضل بكثير من حيث مشتوى الفساد وحتى رأينا ذلك بقصص دينية كقصة موسى وانتقاله لخارج المنطقة التي كان فيها مع الناس وحتى في قصة الرسول بخروجه من مكة بداية، لا أحب تحويل الحديث لنقاش ديني ولكن أضرب الأمثال حتى نرى كيفية التعامل الصحيح مع مجتمعات وصلت من الفساد الحد الكبير الذي يصعب تغييره بسهولة وهذا ينطبق على بعض المجتمعات العربية التي نرى منها حركات نزوح كبيرة من الناس وهي برأيي حالة فطرية إنسانية صائبة كردة فعل.

للوقاية من فساد المجتمع والمحيط يجب أن يبدأ الاعداد لهذه المرحة من الصغر، وبناء شخصية قوية لأطفالنا لمواجهة تحديات المجتمع وفساده، على قول دكتور التربية مصطفى أبو السعد أن الوالي المربي من أولى إهتماماته أن يصنع شخصية قوية لأطفال ليستطيع قول لا للامور والأشياء التي لا تناسبه، وإن لم يكن كذلك هان عليه الانصياع لكل رغبة تعرض عليه، فمن ضعفت شخصيته ضعفت قدرته على مقاومة مغريات أصحاب السوء وصائدي عقول المراهقين والشبان وجرهم لفساد الروح والأخلاق أو التطرف في الأفكار والمعتقدات.

الصراحة لا أتفق مع هذه المقولة، رغم صحتها منطقيا، لأنني أرى أنه إذا فسدت البيئة "كليا" فمحاولة شخص واحد أن يصلح ما أفسده الزمن وأغلب البشر؛ يكون كمن يضرم النيران في نفسه ليضيء الطريق لمجتمع من العميان.

أما وسيلة إنقاذ الإنسان لنفسه إما تكون بالبحث عن بيئة أفضل والتعلم من دروس الماضي، كمن يترك الأرض البور ويرتحل بحثا عن تربة تصلح للزراعة، وهو الحل الأصعب.

أو محاولة إيجاد بقعة صغيرة وسط تلك البيئة ومحاولة تكييفها لتصلح ولو بعض الشيء، أي أن يضع الإنسان نفسه في مجتمع أصغر. والصراحة أكره هذا الحل الثاني، لكنه غالبا ما يكون المتاح.

الاحتماء بالعقل يكون بتسليح نفسك بالعلم والقراءة هذا ما سيقودك للقدرة على التفكير النقدي وعدم التسليم بأي أفكار تعرض عليك، قبل نقدها ومعرفة جوانب الضعف فيها قبل جوانب القوة، والبحث الدائم عن الأفكار المختلفة عنك للاطلاع عليها ونقدها بنفسك حتى قبل أن تعرض عليك بأي كان الوسيلة، وكل منا يحاول قدر الإمكان والأهم في هذا كله هو محاولة الاستمرار في تقوية عقلك فالقراءة ليست مقترنة بقراءة الكتب وحدها أبحث بنفسك عن أي وسيلة من وثائقيات من هنا وهناك وقبل حتى أن تقبل بالفكرة فيها أنظر إليها بعين النقد.

إذا فسدت البيئة فلا بد للإنسان أن يحتمي بعقله لينجو من الفساد

المقولة مبنية على افتراض أن عقولنا لا يطالها الفساد أيضًا، وعلى هذا الأساس فإن الاحتماء لها هو سبيل للنجاة، لكن الواقع أن العقول تزداد فسادًا مع تقدم الزمن، لذا فنحن بحاجة إلى مرجعية أكثر موثوقية للاحتماء بها من عقولنا المجردة، مرجعية تساعدنا على إصلاح عقولنا أولًا بدلًا من أن نهيم على وجهنا وراءها فتقودنا إلى أفسد من البيئة التي كنا فيها، وأنا أرى أن المرجعية الدينية هي المرجعية الكفيلة بتطهير العقول وإصلاحها، خاصة وأننا في زمان اختلط فيه الحابل بالنابل، وأثَّر هذا على تشويش عقولنا، لكن الاحتكام إلى المرجعية الدينية هو العروة الوثقى التي تحمي الإنسان من فساد المجتمع وحتى من فساد العقل بإصلاحه.